خبراء يدقون ناقوس الخطر.. الاحتكار والمضاربة يعبثان بالسوق المغربي والحكومة غائبة

في ظل تصاعد موجة الغلاء التي تضرب الأسواق المغربية، باتت معاناة المواطنين تتجاوز حدود الأرقام الاقتصادية إلى واقع معيشي يثقل كاهل الأسر، خصوصًا الفئات المتوسطة والهشة.
لم يعد الحديث عن أزمة عابرة مرتبطة بتغيرات ظرفية، بل تحول الغلاء إلى ظاهرة بنيوية، تتشابك فيها العوامل الاقتصادية بالسياسات الحكومية، وتثير تساؤلات حول دور الحكومة في حماية القدرة الشرائية للمواطنين، ومدى التزامها بمسؤولياتها في ضبط السوق ومراقبة الأسعار.
مساء أمس الجمعة 14 مارس 2025، كان هذا الموضوع محور نقاش خلال مائدة مستديرة نظمها منتدى المبادرات الشبابية ومركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي بالرباط، حيث حضرها عدد من الخبراء والمتخصصين، من بينهم خالد أشيبان، الخبير الاقتصادي، وبدر الزاهر الأزرق، أستاذ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وعلي الغنبوري، رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، وإيمان الرازي، أستاذة بجامعة محمد الخامس بالرباط.
وشكل اللقاء فرصة لتشريح أزمة غلاء الأسعار، التي باتت تمس كل جوانب الحياة، حيث لم تعد المشكلة مقتصرة على المواد الغذائية الأساسية، بل امتدت إلى مختلف القطاعات، بما في ذلك العقار، النقل، والخدمات، مما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا ويثير مخاوف متزايدة من تأثيراته طويلة الأمد على الاستقرار الاجتماعي.
خلال النقاش، أجمع الخبراء على أن الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى تراكمات طويلة مرتبطة بطبيعة الاقتصاد المغربي الذي يعتمد بشكل كبير على الاستيراد، مما يجعله هشًا أمام تقلبات الأسواق العالمية.
غير أن الأسباب الداخلية تلعب دورًا أكبر في تعميق الأزمة، حيث تحدث الخبراء عن سيطرة المضاربة والاحتكار على الأسواق، مما يجعل الأسعار ترتفع بشكل غير مبرر، خاصة في ظل ضعف آليات الرقابة والمحاسبة.
موضحين في كلمتهم المتفرقة أن المواد التي تُنتج محليًا لا يُفترض أن تشهد هذا الغلاء الفاحش، ومع ذلك، نجد أنها تصل إلى المستهلك بأسعار تفوق بكثير تكلفتها الحقيقية، حيث مثلا الطماطم تنتقل من درهمين إلى 11 دراهم في مدينة أخرى، وهو ما يعكس وجود خلل في آليات التوزيع.
مبرزين أن تدخل الحكومة في السوق يظل محدودًا، حيث تكتفي بتصريحات مطمئنة دون إجراءات ملموسة لضبط الأسعار ومحاربة المضاربة، مما يساهم في استفحال الأزمة.
وركز الخبراء خلال أشغال الندوة على تأثيرات الغلاء على الاقتصاد الوطني، موضحًا أن استمرار ارتفاع الأسعار يؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية، مما ينعكس سلبًا على الطلب الداخلي، وهو أحد المحركات الأساسية للنمو الاقتصادي.
مضيفين: "عندما يجد المواطن نفسه غير قادر على شراء السلع والخدمات بسبب الغلاء، فإن ذلك يؤدي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي، وهو ما قد يجر البلاد نحو حالة من الركود الاقتصادي".
وأشار الخبراء في كلمتهم المتفرقة أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، مثل رفع الأجور، لم تكن كافية، لأن معدلات التضخم المرتفعة امتصت أي زيادة في الدخل، مما جعل الوضع يزداد سوءًا.
كما أشار إلى أن الدولة مطالبة بإعادة النظر في سياساتها الاقتصادية من خلال تعزيز الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وفرض رقابة صارمة على الأسواق لكبح جماح الأسعار.
على البعد الاجتماعي للأزمة، أوضح الخبراء أن الفئات الأكثر تضررًا من الغلاء هي الطبقة المتوسطة التي أصبحت مهددة بالانقراض، والفئات الهشة التي باتت غير قادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية. وأشارت إلى أن الأزمة تجاوزت البعد الاقتصادي، وأصبحت مسألة تمس التماسك الاجتماعي، حيث يشعر المواطن المغربي بأنه في مواجهة يومية مع موجة غلاء لا تتوقف، دون أن يجد حماية حقيقية من الدولة.
وقد تساءل الحبراء المائدة المستديرة، ما إذا كان هذا الغلاء المتصاعد مجرد أزمة معيشية أم أنه سياسة اقتصادية قصدية عن سابق إصرار وترصد.
موضحين أن الغلاء لم يعد مقتصرًا على أسعار المواد الاستهلاكية، بل امتد ليشمل مجالات أخرى مثل السكن والصحة والتعليم، مما يجعل الحياة اليومية للمغاربة أكثر صعوبة.
كما تم تحذير من أن استمرار هذا الوضع دون تدخل حقيقي قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر والتهميش، مما قد يخلق توترات اجتماعية يصعب احتواؤها.
وأجمع الخبراء على ضرورة تبني مقاربة شاملة لمعالجة الأزمة، تتجاوز الحلول المؤقتة مثل دعم بعض المواد أو رفع الأجور، داعيًا إلى إصلاحات هيكلية تعيد التوازن للسوق، وتضمن منافسة حقيقية، وتحد من هيمنة الوسطاء والمضاربين.
مشيرين إلى أن مجلس المنافسة يجب أن يلعب دورًا أكبر في ضبط السوق، وأن الحكومة مطالبة بتفعيل القوانين التي تحارب الاحتكار والتلاعب بالأسعار.
كما تم التأكيد على أن الدولة لا يمكن أن تستمر في تبني منطق "السوق الحر" عندما يكون المواطن غير قادر على مواجهة غلاء الأسعار، مطالبًا بتدخل أكثر حزمًا لضبط الأسواق.
في ظل هذا الوضع، يطرح التساؤل حول مدى قدرة الدولة على الخروج بحلول فعالة تضع حدًا لهذا الارتفاع المستمر في الأسعار. هل يمكن الاستمرار في الاعتماد على السوق الحرة في ظل غياب رقابة حقيقية على الأسعار؟ أم أن الوقت قد حان لتدخل حكومي أكثر قوة لحماية القدرة الشرائية؟ الأزمة الحالية تكشف عن هشاشة السياسات الاقتصادية المتبعة، وعدم قدرتها على مواجهة التحديات المستجدة، مما يجعل الحاجة ملحة لإعادة النظر في النهج الاقتصادي بشكل شامل.
واستمرار الوضع دون حلول جذرية قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان الاجتماعي، حيث لم يعد المواطن المغربي ينتظر وعودًا جديدة، بل يطالب بإجراءات ملموسة تضع حدًا لهذا النزيف الاقتصادي، وتحميه من جشع المضاربين الذين أصبحوا يتحكمون في تفاصيل حياته اليومية.