"كسوة العيد" في قبضة الغلاء… والبيضاويون بين مطرقة الأسعار وسندان الازدحام

الكاتب : انس شريد

22 مارس 2025 - 09:30
الخط :

مع اقتراب عيد الفطر، تتحول أسواق الدار البيضاء إلى خلايا نحل لا تهدأ، حيث يتوافد المواطنون بأعداد غفيرة لاقتناء ملابس العيد، متحدّين غلاء الأسعار الذي أصبح حديث الساعة.

في قلب العاصمة الاقتصادية، حيث الأسواق الشعبية والتجارية الكبرى، تتشكل مشاهد من الحركية الاستثنائية التي تعكس ارتباط المغاربة بتقاليد العيد رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.

في جولة للجريدة 24 بسوق "كراج علال"، أحد أكبر الأسواق الشعبية بالعاصمة الاقتصادية، كان المشهد يعكس حرارة هذه الأيام، حيث الزحام لا يهدأ، والباعة ينادون على بضائعهم بأصوات مرتفعة، بينما يتنقل المشترون بين المحلات والقيساريات بحثًا عن أفضل الأسعار وأجود الملابس لأطفالهم.

في أحد الأزقة الضيقة داخل السوق، كانت عائشة، أم لطفل، تحاول التفاوض مع أحد الباعة على سعر قميص وسروال لصغيرها، قبل أن تهمس بنبرة فيها الكثير من الاستياء: "كل شيء تضاعف سعره هذه السنة، ومع ذلك لا يمكن أن يمر العيد دون ملابس جديدة للأطفال، هذا من الأشياء التي تدخل الفرحة في قلوبهم، لكننا بالكاد نستطيع توفيرها".

بجوارها، كان أحمد، أب لثلاثة أطفال، يحاول جاهدًا تدبير الميزانية التي خصصها لهذه المناسبة قائلاً: "كنت أظن أن 800 درهم ستكون كافية، لكني الآن مضطر إلى زيادة 300 درهم أخرى على الأقل، الأسعار مرتفعة بشكل مبالغ فيه، خاصة ملابس الأطفال".

على الجانب الآخر، يتحدث عمر، أحد التجار بالسوق، عن هذه الفترة بوصفها "فرصة ذهبية لإنعاش البيع بعد ركود طويل".

ويتابع قائلاً: "الأسعار تختلف حسب الجودة، ونحن نحاول قدر الإمكان توفير ملابس بأسعار تناسب الجميع، لكن الحقيقة أن الأمر ليس بهذه السهولة.

مؤكدا أم معظم التجار يواجهون مصاريف تثقل كاهلهم، من كراء المحلات وفواتير الكهرباء إلى تكاليف استيراد الملابس من تركيا، أو حتى شرائها من المصانع المغربية التي تصنع ملابس محلية بجودة متفاوتة.

في النهاية، حسب المتحدث ذاته، نحاول تحقيق توازن بين الربح وإرضاء الزبائن، بعيدا عن المضاربة.

في الجهة الأخرى، حيث محلات الملابس التقليدية، كانت فاطمة تبحث بين الأقمصة المطرزة والجلابيب الصوفية عن شيء يناسب طفلتها، وهي تقول: "العيد ليس فقط لباسًا جديدًا، لكنه فرحة للصغار قبل الكبار، لو كان الأمر يتعلق بنا لاكتفينا بأي شيء، لكن الأطفال يريدون أن يرتدوا ما يعجبهم، وهذا ما يجعلنا نضطر لمجاراة الوضع رغم الغلاء".

على مقربة من "كراج علال"، لا يختلف المشهد في سوق "القريعة"، حيث بدا المكان أشبه بمتاهة من الأجساد المتلاصقة، أصوات الباعة تمتزج مع ضجيج السيارات والدراجات، فيما يعاني المشترون لاختراق هذا الزحام.

في المراكز التجارية الكبرى، بدا المشهد مختلفًا بعض الشيء، حيث الأروقة مرتبة بعناية، والإضاءة الهادئة تضفي أجواء من الراحة مقارنة بالفوضى التي تعم الأسواق الشعبية، لكن الأسعار هنا تبدو أكثر ارتفاعًا، ما يجعل الكثيرين يكتفون بجولة سريعة قبل مغادرة المكان بخيبة أمل.

في ظل هذا الإقبال الكبير، تشهد بعض الشوارع المحيطة بالأسواق ازدحامًا خانقًا، خاصة خلال الفترات المسائية، حيث يصبح التنقل بين الأزقة شبه مستحيل.

محمد، سائق سيارة أجرة، يعلق على الوضع بضحكة ساخرة: "في مثل هذه الأيام، لا يمكنني العمل بشكل طبيعي، الأمر أشبه بمغامرة، الطريق إلى كراج علال أو القريعة تحتاج إلى صبر طويل".

وبالفعل، كانت الطرق المؤدية إلى هذه الأسواق تعج بالسيارات، بينما يعمد بعض السائقين إلى النزول وترك سياراتهم بعيدًا خوفًا من الوقوع في فخ الاختناق المروري.

ورغم التدخلات المتكررة للسلطات لتنظيم الأسواق، إلا أن فوضى الباعة الجائلين تزيد من تعقيد الوضع.

في أحد الأزقة، كان يوسف، شاب في العشرينيات، يبيع ملابس أطفال معروضة بشكل عشوائي على الفراشة، وهو يقول: "هذه الفترة تعني لنا الكثير، إنها فرصة لتعويض خسائر بقية السنة، الأسعار مرتفعة نعم، لكننا أيضًا نشتريها بسعر غالٍ من تجار الجملة".

وبينما كان يتفاوض مع إحدى السيدات، تدخلت الأخيرة قائلة: "كل سنة تقولون الشيء نفسه، لكننا في النهاية نحن من يتحمل الفرق".

رغم كل هذه التحديات، يبقى عيد الفطر مناسبة خاصة في وجدان المغاربة، لا يمكن التفريط في طقوسها مهما كانت الظروف الاقتصادية.

بين الأسواق المكتظة والمتاجر الفاخرة، يواصل الجميع بحثهم عن "كسوة العيد"، في مشهد يتكرر كل سنة، حيث الفرحة تختلط بالتعب، وحيث الرغبة في الحفاظ على العادات والتقاليد تنتصر على كل المصاعب.

آخر الأخبار