الأحزاب ورهان انتخابات 2026... دعوات لإحياء روح المشاركة السياسية لدى الشباب

في ظل التحضيرات المبكرة للانتخابات التشريعية لعام 2026، يشتد النقاش داخل الأوساط السياسية المغربية حول كيفية تحفيز الشباب على المشاركة في العملية السياسية، خاصة أنهم يشكلون طاقة مجتمعية هائلة يمكنها قلب موازين القوى السياسية وإحداث تغيير حقيقي.
هذا النقاش أعاد إلى الواجهة أسئلة جوهرية حول أسباب عزوف الشباب عن الانخراط في المؤسسات المنتخبة والهياكل الحزبية، وما إذا كانت البيئة السياسية الحالية كافية لجذب هذه الفئة المهمة.
في هذا السياق، شهدت الساحة الفكرية والسياسية على مدار اليومين الماضيين تنظيم مجموعة من الندوات، حيث اجتمع عدد من الفاعلين السياسيين لمناقشة هذه الإشكالية.
خلال إحدى الندوات، التي نظمتها الشبيبة الحركية لحزب الحركة الشعبية بشراكة مع مؤسسة Friedrich naumann، أول أمس السبت، أكد إلياس السباعي، عضو المكتب التنفيذي للشبيبة الحركية، أن الوقت قد حان لتجاوز الخطابات التشخيصية التي لا تتجاوز توصيف الأزمة، دون تقديم حلول حقيقية تُعيد الشباب إلى قلب المشهد السياسي.
وأشار السباعي إلى أن الشباب المغربي حاضر بقوة في مواقع المسؤولية، إذ نجد وزراء وبرلمانيين ورؤساء جماعات ينتمون إلى الفئة الشبابية، إلا أن التحدي الأكبر يتمثل في ضمان أن يكون لهذا الحضور تأثير فعلي في صياغة السياسات العامة وتوجيهها نحو خدمة المجتمع.
وأوضح أن إشراك الشباب في المناصب السياسية ليس كافيًا بحد ذاته، بل ينبغي تمكينهم من أدوات التأثير الحقيقي على القرار السياسي.
وشدد السباعي على ضرورة تأهيل الشباب وتطوير قدراتهم، مشيرًا إلى أن الشبيبة الحركية تؤمن بأن مشاركة الشباب السياسية هي المفتاح الأساسي لتحسين السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
كما دعا إلى ابتكار آليات جديدة تتيح للشباب الانخراط في العمل الحزبي بشكل فعّال، مؤكدًا أن استمرار الأحزاب التقليدية على نفس النهج، مع ما تعانيه من شيخوخة تنظيمية، يجعلها أقل قدرة على جذب الشباب وإقناعهم بجدوى المشاركة السياسية.
من جانبه، أرجع محمد زروك، نائب الكاتب العام للشبيبة الحركية، ضعف المشاركة السياسية للشباب إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها غياب آليات فعالة تستقطب الشباب وتؤطرهم داخل الأحزاب.
وأشار زروك إلى أن الشباب يعانون من تحديات اجتماعية واقتصادية معقدة، كالبطالة والهشاشة، ما يدفعهم إلى الشعور بالتهميش وفقدان الثقة في المؤسسات السياسية. وأكد أن ضعف تمثيلية الشباب في البرلمان والمجالس المنتخبة يعزز هذا الإحساس بالإقصاء.
وشدد زروك على الحاجة إلى إصلاحات حقيقية تضمن مشاركة أوسع للشباب في العملية السياسية، داعيًا إلى تفعيل الضمانات الدستورية، وعلى رأسها الفصل 170 من الدستور، الذي ينص على إحداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي كآلية لتعزيز حضور الشباب في صياغة السياسات العمومية.
ودعا زروك إلى تعديل آليات اختيار المرشحين داخل الأحزاب، بما يضمن منح الشباب فرصًا حقيقية للوصول إلى مراكز القيادة.
كما سلط المهدي ليمينة، عضو شبيبة الأصالة والمعاصرة، الضوء على ظاهرة عزوف الشباب عن التصويت والمشاركة في الانتخابات، معتبرًا أن هذه السلوكيات تعكس فقدانهم الثقة في العمل السياسي.
وأوضح أن العديد من الشباب يشعرون بأن صوتهم الانتخابي لن يُحدث فرقًا يُذكر، ما يدفعهم إلى الابتعاد عن صناديق الاقتراع والتراجع عن الانخراط في الحياة السياسية.
وألقى ليمينة باللوم جزئيًا على الأحزاب السياسية، مشيرًا إلى أن هذه الأخيرة فشلت في تطوير خطاب سياسي يواكب تطلعات الجيل الجديد، كما أنها أخفقت في اعتماد وسائل تواصل فعالة مع هذه الفئة، ما أدى إلى اتساع الفجوة بين الشباب والمؤسسات الحزبية.
وأشار إلى أن الشباب المغربي لم يتوقف عن الاهتمام بالشأن السياسي، بل اتجه إلى البحث عن بدائل جديدة للتعبير عن آرائه بعيدًا عن القوالب الحزبية التقليدية.
وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي الملاذ الأبرز الذي يجد فيه الشباب مساحة مفتوحة للتعبير عن مواقفهم السياسية والتفاعل مع القضايا المجتمعية بشكل أكثر حرية وتأثيرًا.
ولتجاوز هذه التحديات، قدم ليمينة مجموعة من الحلول التي يرى أنها كفيلة بإعادة الشباب إلى قلب المشهد السياسي.
وأبرز هذه المقترحات كانت إدماج التربية السياسية في المناهج الدراسية منذ سن مبكرة، بهدف تكوين جيل يدرك أهمية العمل السياسي ويعي أدواره في التأثير وصناعة القرار.
كما شدد على ضرورة ابتكار آليات رقمية حديثة توفر قنوات تواصل أكثر فعالية بين الأحزاب السياسية والشباب، بما يسهم في تقريب المسافة بين الطرفين.
ولم يغفل ليمينة أهمية دعم المبادرات الشبابية المستقلة التي تسعى إلى نشر الوعي السياسي وتحفيز الشباب على المشاركة الفاعلة.
واعتبر أن إعادة الاعتبار للعمل الحزبي يتطلب خطابًا سياسيًا متجددًا وقيادات حزبية أكثر قربًا من واقع الشباب، قادرة على استيعاب طموحاتهم وتحويلها إلى برامج عملية تُحدث التغيير المنشود.
كما انعقدت ندوة بعنوان "المشاركة السياسية للشباب"، يوم أمس الأحد، عبر تقنية التناظر المرئي، بحضور نخبة من الفاعلين السياسيين والأكاديميين.
وقد كانت هذه الندوة فرصة لبحث العوائق التي تحول دون انخراط الشباب الفعلي في المشهد السياسي، مع تقديم مقترحات عملية لتجاوز هذه العقبات.
خلال هذه الندوة، أكد الدكتور العباس الوردي، المنسق العام لأكاديمية الشباب المغربي، أن الشباب المغربي يمتلك من الكفاءة والطموح ما يؤهله للعب دور حاسم في الحياة السياسية، شريطة توفير بيئة سياسية تتيح لهم إبراز قدراتهم.
وأوضح الوردي أن المشاركة السياسية للشباب ليست مجرد حق دستوري، بل هي واجب وطني ومسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الفاعلين السياسيين والشباب أنفسهم لبناء مغرب أكثر ديمقراطية وعدالة اجتماعية.
وخلصت الندوة إلى أن إشراك الشباب في العملية السياسية يتطلب استراتيجية متكاملة تُعيد بناء جسور الثقة بين الشباب والمؤسسات السياسية، مع تحديث آليات العمل الحزبي، وفتح المجال أمام الشباب لتقلّد مناصب قيادية تتيح لهم التأثير الفعلي في صنع القرار وتوجيه السياسات العامة بما يخدم مصالح المجتمع.
وأكد الحاضرون أن الشباب المغربي يمتلك من الطموح والقدرات ما يجعله ركيزة أساسية في بناء مستقبل البلاد، لكن تحقيق ذلك يستوجب توفير بيئة سياسية محفزة تفتح أمامهم أبواب التأثير والإسهام الحقيقي في صنع القرار السياسي.