الوردة تلتحق بركب ثلاثي المعارضة.. أرقام دعم الأغنام على طاولة التقصي

يعيش المغرب على وقع جدل متصاعد بشأن الدعم الحكومي الموجه لاستيراد الأغنام واللحوم الحمراء، بعدما تحوّل الملف إلى محور نقاش سياسي واقتصادي واجتماعي واسع، زاد من حدّته الغموض المحيط بالأرقام المعلنة من طرف الجهات الرسمية، وتضارب التصريحات الصادرة عن مسؤولي الأغلبية والمعارضة على حد سواء. في وقت لا تزال أسعار هذه المواد الأساسية ترهق القدرة الشرائية للمواطنين، وتطرح تساؤلات حارّة حول جدوى السياسات المعتمدة.
الغضب الشعبي الذي يرافق موجة الغلاء لم يزد إلا اشتعالاً بعد تداول أرقام متباينة بشأن الكلفة الحقيقية التي تكبدتها الدولة لدعم استيراد المواشي.
ففي الوقت الذي تحدث فيه نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، عن تجاوز كلفة الاستيراد لحاجز 13 مليار درهم، خرج رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، ليدحض هذا الرقم مؤكداً أن الدعم لم يتجاوز 300 مليون درهم.
هذا التناقض أربك الرأي العام، قبل أن تحسم وزارة الفلاحة الجدل مؤقتاً بتأكيدها أن الكلفة الإجمالية بلغت 437 مليون درهم موزعة بين سنتي 2023 و2024.
ولم يمر هذا التضارب مرور الكرام داخل المؤسسة التشريعية، حيث دخلت المعارضة على خط الأزمة بإطلاق مبادرة لتشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق بشأن مختلف أشكال الدعم والإعفاءات التي استفاد منها مستوردو الأغنام منذ نهاية سنة 2022. وتبنت هذه المبادرة فرق العدالة والتنمية، والحركة الشعبية، والتقدم والاشتراكية، قبل أن ينضم إليها الفريق الاشتراكي للقوات الشعبية.
ووفقا لما كشف عنه عبد الرحيم شهيد، المنتمي للفريق الاشتراكي، فإن الهدف من هذه المبادرة لا يقتصر على تسجيل المواقف، بل يروم كشف الحقيقة كاملة أمام الرأي العام.
وأكد أن الفريق الاشتراكي لا يمكنه أن يظل في موقع المتفرج في ظل تضارب الأرقام وغياب معطيات دقيقة بشأن المستفيدين من الدعم، مبرزاً أن المال العام يجب أن يُصرف وفق قواعد الحوكمة الرشيدة، وبما يحقق العدالة الاجتماعية.
وأوضح كل من فريق التقدم والاشتراكية، وفريق الحركة الشعبية، ومجموعة العدالة والتنمية، في بلاغ سابق أن الغاية من تشكيل لجنة تقصي الحقائق هي كشف المعطيات الكاملة المرتبطة بالدعم الحكومي، وتقييم مدى تحقيق الأهداف المعلنة، وكذا التأكد من احترام المستوردين للالتزامات والشروط المفروضة عليهم، في ظل حديث متزايد عن وجود خروقات وغياب تكافؤ الفرص وشفافية في توزيع الدعم.
كما شددت على ضرورة التحقق من أن هذه التدابير تخدم فعلاً المصلحة العامة، ولا تتحول إلى امتيازات غير معلنة لفئة محدودة من المحظوظين.
وفي ردها على هذا الجدل السياسي، سبق أن نشرت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات معطيات تفصيلية بخصوص الدعم الموجه لاستيراد الأغنام المخصصة لعيد الأضحى، موضحة أن عدد الأغنام المستوردة بلغ 875 ألف رأس خلال سنتي 2023 و2024، استفاد منها 156 مستورداً.
وأوضحت الوزارة في بلاغها أن الدولة منحت دعماً مباشراً بقيمة 500 درهم لكل رأس من الأغنام المخصصة للذبح، إضافة إلى إعفاءات ضريبية، أهمها تعليق الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة، في إطار إجراءات تهدف إلى ضمان وفرة العرض واستقرار الأسعار.
وبررت الحكومة هذه التدابير بكونها جزءاً من سياسة شاملة لمواجهة تأثيرات التضخم العالمي وتوالي سنوات الجفاف، عبر دعم القدرة الشرائية وتفادي اضطرابات تموينية في الأسواق، خاصة في فترات حساسة كعيد الأضحى.
غير أن هذا التبرير لم يقنع العديد من الفاعلين السياسيين ولا شرائح واسعة من المواطنين، الذين يعتبرون أن الأسعار ما زالت مرتفعة، وأن الدعم لم ينعكس بشكل مباشر على الأثمنة النهائية المعروضة في الأسواق.
التساؤلات لا تتوقف عند حجم الدعم وأعداد المستفيدين، بل تتعداها إلى ما هو أعمق، إذ يطرح الكثيرون علامات استفهام حول غياب آليات صارمة للمراقبة والتتبع، وشفافية الإعلان عن المعطيات، وفتح المجال أمام الجميع للاستفادة بشكل عادل.
في المقابل، ترى الحكومة أن إجراءاتها واضحة وتستند إلى معايير دقيقة، وأنها حريصة على إيصال الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين.
وبين شدّ المعارضة وجذب الحكومة، هناك حالة من الترقب وسط المواطنين، خاصة مع اقتراب موعد عيد الأضحى وارتفاع الضغط على السوق، حيث يبقى الرهان الأساسي بالنسبة للمواطن هو القدرة على اقتناء أضحية بأسعار معقولة.
أما بالنسبة للطبقة السياسية، فإن هذا الملف بات بمثابة اختبار حقيقي لمصداقية الخطاب الإصلاحي، وقدرة المؤسسات على إدارة المال العام بشفافية، وتقديم أجوبة واقعية على تحديات اجتماعية ضاغطة.
ومع احتدام النقاش، يبدو أن قضية دعم استيراد الأغنام لن تكون مجرد قضية ظرفية ترتبط بموسم محدد، بل مرشحة لتتحول إلى ملف هيكلي يختبر توازنات العلاقة بين الحكومة والمعارضة، ويفتح الباب أمام مراجعة شاملة لسياسات الدعم الزراعي في البلاد، بما يضمن النجاعة والعدالة والمردودية الاقتصادية والاجتماعية على السواء.