العاقل...تاريخ مختصر للنوع البشري(33)

الكاتب : الجريدة24

08 أبريل 2025 - 10:00
الخط :
أمينة المستاري
 
الآلة الحيوية

هندسة الحيوالة تكنولوجيا جديدة قد تغير قوانين الحياة،يقول يوفال هراري، والحيوالة كائنات تتكون من أجزاء عضوية وأخرى غير عضوية، مثل إنشان بيدين إلكترونيتين ميكانيكيتين. ويشبه الكاتب الإنسان الحالي كآلة حيوية ، لأنه يدعم حواسه الطبيعية بأجهزة كالنظارات وأجهزة ضبط نبضات القلب...خصائص تحور قدراته ورغباته وشخصيته وهويته..لتجعله أقرب من آلة حيوية فعلا.

في هذا الصدد، يشير هراري إلى مشاريع بحوث تقوم بها وكالة البحوث الدفاعية القومية الأمريكية، وهي ذات أهداف عسكرية، يهدف إلى زرع شرائح إلكترونية وأجهزة كشف معالجات في جسم صراصير أو ذباب..تمكن الإنسان أي المشغل من التحكم في حركاتها عن بعد وتجعلها تجمع المعلومات وتنقلها. ويمكن تسخيرها في أعمليات التجسس، ونفس الأمر بالنسبة لأسماك القرش...

بالنسبة للإنسان العاقل، يذكر الكاتب  الجيل الأحدث من مساعدات السمع "آذان آلية حيوية"، وشبكية عين اصطناعية تسمح للمكفوفين بالرؤية الجزئية، الذراعين الآليين الحيويتين التي تداران بالأفكار فقط، هذه الأذرع بديلا سيئا لأذرعنا العضوية الأصلية لكنها تمتلك إمكانيات غير محدودة للتطور....مشاريع عدة تحدث عنها هراري لكن أهمها محاولة ابتكار منصة حاسوبية دماغية ثنائية الاتجاه مباشرة تسمح للحاسوب بقراءة الإشارات الكهربائية لدماغ بشري، وترجع  إشارات كهربائية يمكن للدماغ قراءتها في المقابل.

ويتساءل الكاتب عما سيحدث للسيرة الذاتية لكل شخص؟ لمفاهيم مثل النفس والهوية الجنسية حين تصبح العقول جماعية؟ لن يصبح الحيوال بشريا ولا حتى عضويا، سيكون شيئا مختلفا.

أما الطريقة الثالثة لتغيير قوانين الحياة فهي كائنات غير عضوية كفيروسات الحاسوب وبرامجه التي قد تخضع لتطور مستقل.

ولعل أهم برنامج مثير للاهتمام في علوم الحاسوب البرامج الجينية والذي يحاكي طرق التطور الجيبي ... مشروع دماغ الإنسان الذي يهدف إلى إعادة إنشاء دماغ إنسان كامل داخل حاسوب بدوائر إلكترونية في الحاسوب تحاكي الشبكات العصبية في الدماغ... أسئلة عديدة حول مآل مشاريع وينتظر أن يحصل على جواب في وقت ما .

يستطرد هراري قائلا أن هندسة العالم داخل أجسامنا وعقولنا آخذة في التطور بسرعة فائقة، والعديد من المجالات تتعرض لهزات تخرجها من ثباتها، ويجب على جهات عديدة التعامل مع ألغاز الهندسة الحيوية والحيوالات والحياة غير العضوية.

يضيف الكاتب أنه من المحتمل أن يكون سادة العالم المستقبليون أكثر اختلافا عنا من الختلافنا عن إنسان النياندرتال، ففي حين نشترك مع هذا الأخير في كوننا بشرا فإن ورثتنا سيكونون أشباه آلهة" خارقون".

نبوءة فرانكنشتاين

أصبحت قصة فرانكنشتاين من تأليف ماري شيلي سنة 1818م، التي تحكي قصة عالم يخلق كائنا اصطناعيا يخرج عن السيطرة ويتسبب في فوضى، أصبحت دعامة مركزية في أساطيرنا العلمية الجديدة. فالقضة تبدو كما لو تحذرنا من محاولة أدائنا دور الرب وهندسة الحياة، فسنعاقب بشدة لكن القصة لها معنى أعمق.

تواجه أسطورة فرانكنشتاين الإنسان العاقل بحقيقة مفادها أن الأيام الأخيرة تقترب بسرعة، ما لم تتدهل الكوارث النووية أو البيئية، فوثيرة التقنية ستؤدي إلى استبدال الإنسان العاقل بكائنات مختلفة تماما من حيث العواطف والمعرفة والبنى...بشكل يخالفنا وسيشغل مكاننا بأشكال حياة غريبة تتقزم قدراتنا أمامها.

سيكون من الصعب تقبل أن العلماء يمكنهم هندسة الأرواح مثل هندسة الأجسام، لكن يعود الكاتب للقول أن المستقبل غير معروف، على الرغم من كل ما سبق ذكره، وقد لا يتحقق ما نخافه لوجود عقبات غير متوقعة، ويؤكد هراري أن ما يجب أخذه على محمل الجد أن المرحلة القامة من التاريخ لن تشمل فقط التحولات التقنية والتنظيمية، بل أيضا تحولات أساسية في الوعي والهوية البشريتين، ولا يمكن معرفة كم نملك من الوقت، ويضيف أن البعض يتوقع أن يكون بعض البشر مع حلول 2050 "صعبي الفناء".

يطرح هراري سؤال : ماذا نريد أن نصبح؟ ويقول أن هذا السؤال يجعل جميع المناقشات التي تشغل بال العلماءء والسياسيين والفلاسفة...عديمة الأهمية، وستختفي جميع النقاشات بين الأديان والأيديولوجيات باختفاء الإنسان العاقل. كما أن المناقشات العظيمة للتاريخ مهم لأن الجيل الأول من أشباه الآلهة سيتشكلون على الأقل بالأفكار الثقافية لمصمميهم البشريين.

يفضل معظم الناس عدم التفكير في الأمر، فمجال أخلاقيات البيولوجيا يفضل التطرق لسؤال :" ما هي الأمور المحظورة؟" هل من المقبول أن تجرى تجارب على جينات الطائنات الحية؟ على أجنة أجهضت؟ على الخلايا الجذعية؟ هل أخلاقيا استنساخ الأغنام والشنابز والبشر؟؟؟

يعتبر هراري أنه من السذاجة الضغط على الفرامل  لإيقاف مضل هذه المشاريع العلمية التي تقوم بتحديث الإنسان العاقل إلى نوع مختلف من الوجود، وذلك لارتباطها بمشروع جلجامش. وإذا تم طرح أسئلة  على العلماء كسبب دراسة الجينوم أو إيصال الدماغ بالحاسوب ستحصل على نفس الأسئلة: علاج الأمراض، إنقاذ حياة البشر وهي أجوبة لا يجادل أحد فيها، رغم أن مشروع جلجامش هو الذي يقود العلم ومن الصعب إيقاف جلجامش وبالتالي إيقاف فرانكنشتاين، والطريقة الوحيدة التي يمكن فعلها هو التأثير على الاتجاه الذي سيسلكانه.

الحيوان الذي أصبح إلها

يخلص هراري في خاتمة كتابه "العاقل" إلى القول أنه قبل 70  ألف سنة، كان الإنسان العاقل حيوانا لا أهمية له، ثم حول نفسه إلى سيد للكوكب ورعب للنظام البيئي، وها هو يقف على عتبة أن يصبح إلها، ليس فقط الوصول للخلود بل الاستحواذ على القدرات الإلهية للخلق والتدمير.

يؤكد هراري أن الإنسان لم ينتج الكثير ليفخر به، لكن هل قلل من المعاناة في العالم؟ يجيب "لم يحسن الإنسان الزيادة الهائلة في سلطة البشر رفاه الأفراد، وعادة سببت معاناة هائلة للحيوانات الأخرى. وفي الوقت الذي حققنا تقدما فيما يتعلق بشروط حياة الإنسان، تدهورت حالة الحيوانات. لكن يبقى البشر غير متأكد من أهدافه وغير راض عن نفسه، ورغم التقدم ودرجة القوة التي وصلنا إيها إلى أن لا أحد يعرف إلى أين نحن ذاهبون؟

يعتبر الإنسان نفسه آلهة لا يوجد من يسائله، فهو يعيث فسادا برفاقه من الحيوانات وبالنظام البيئي المحيط، فهل هناك أكثر خطورة من آلهة غير راضية وغير مسؤولة ولا تعرف ماذا تريد؟ سؤال يبقى معلقا.

آخر الأخبار