الغموض في أرقام دعم الأغنام يدفع الأغلبية البرلمانية إلى نهج خيار المعارضة

الكاتب : انس شريد

09 أبريل 2025 - 06:30
الخط :

يعيش المغرب هذه الأيام على وقع جدل محتدم لم يعد مجرد نقاش اقتصادي، بل تحوّل إلى أزمة سياسية واجتماعية مفتوحة، بعدما انفجر ملف الدعم الحكومي لاستيراد الأغنام واللحوم الحمراء في وجه الحكومة، كاشفًا عن شرخ عميق في ثقة المواطن، وتضارب واضح في روايات الدولة حول الكلفة الحقيقية لهذه العملية التي كان يفترض أن تخفف عبء الغلاء عن كاهل الأسر المغربية.

بدأت شرارة الجدل عندما خرجت أرقام متباينة من شخصيات رفيعة في الدولة بشأن الدعم الموجه لعمليات الاستيراد. ففي حين تحدث نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، عن مبلغ يفوق 13 مليار درهم، سارع رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب وقيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، إلى نفي هذه الأرقام بشكل قاطع، مؤكدًا أن الكلفة لم تتجاوز 300 مليون درهم.

هذا التناقض في تصريحات النخبة السياسية لم يمر مرور الكرام، بل أطلق موجة من الغضب الشعبي والانتقادات التي انتشرت كالنار في الهشيم، وزادت من حدة الأزمة التي تعيشها البلاد على أكثر من صعيد.

وبعد أيام من الأخذ والرد، حاولت وزارة الفلاحة طمأنة الرأي العام ببيان قالت فيه إن الكلفة الفعلية لم تتجاوز 437 مليون درهم، موزعة بين سنتي 2023 و2024.

ورغم هذا "التوضيح الرسمي"، فإن الغموض لم يتبدد، بل زاد من تشكيك الناس، خاصة مع غياب تفاصيل دقيقة حول كيفية صرف هذه المبالغ، والمستفيدين الحقيقيين من هذا الدعم، ومدى انعكاسه الفعلي على أسعار اللحوم في الأسواق.

البرلمان بدوره دخل على الخط، في مشهد يعكس التوتر السياسي المتنامي داخل المؤسسة التشريعية. فقد أطلقت فرق الأغلبية البرلمانية، بما فيها فرق التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، طلبًا للقيام بمهمة استطلاعية رسمية للوقوف على البرامج والإجراءات المتخذة بخصوص استيراد المواشي.

وتذرعت هذه المبادرة بحرصها على حماية القدرة الشرائية للمواطن، ولكن توقيتها بدا للكثيرين كرد فعل تكتيكي على تحركات المعارضة، أكثر من كونه إجراء رقابي حقيقي.

في الجهة المقابلة، كانت المعارضة سبّاقة إلى التحرك، بعدما تقدمت فرق العدالة والتنمية، والحركة الشعبية، والتقدم والاشتراكية، والفريق الاشتراكي، بمبادرة لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في ملف الدعم، تطالب بكشف كل ما يتعلق بالإعفاءات، وأسماء المستفيدين، ومدى احترام الشروط القانونية.

هذه المبادرة، التي جاءت بلهجة قوية وغير مألوفة، تعكس القلق المتزايد من وجود تلاعبات محتملة، وتوزيع غير عادل للامتيازات، وغياب الشفافية في واحدة من أكثر الملفات حساسية في البلاد.

وبين المبادرتين، يجد المواطن المغربي نفسه عالقًا في دوامة من التناقضات والتصريحات المتضاربة، لا يعرف فيها من يصدق، في وقت تواصل فيه الأسعار ارتفاعها المهول، ويعيش فيه الكثير من المواطنين على هامش القدرة الشرائية، معتمدين على وعود حكومية تبدو في نظرهم جوفاء، لا تترجم إلى أثر ملموس على أرض الواقع.

ورغم كل هذه التحرّكات، لا تزال الشكوك قائمة بشأن جدوى ما يُعلن من تحقيقات ولجان، في ظل تاريخ طويل من لجان برلمانية لم تُفضِ في النهاية إلى شيء ملموس، بل تحوّلت إلى مجرد أدوات سياسية تُستخدم لتسجيل النقاط في معركة المواقع بين الفرقاء السياسيين. ما يريده الشارع المغربي اليوم لم يعد يتوقف عند معرفة كم دُفع وكم أُعفي، بل تجاوز ذلك إلى مطالبة حقيقية بمحاسبة المسؤولين عن كل درهم صُرف من المال العام دون وجه حق، وضمان ألا تتحوّل سياسات الدعم إلى ريع مقنع لفئة محدودة من المنتفعين.

وفي ردها على هذا الجدل السياسي، سبق أن نشرت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات معطيات تفصيلية بخصوص الدعم الموجه لاستيراد الأغنام المخصصة لعيد الأضحى، موضحة أن عدد الأغنام المستوردة بلغ 875 ألف رأس خلال سنتي 2023 و2024، استفاد منها 156 مستورداً.

وأوضحت الوزارة في بلاغها أن الدولة منحت دعماً مباشراً بقيمة 500 درهم لكل رأس من الأغنام المخصصة للذبح، إضافة إلى إعفاءات ضريبية، أهمها تعليق الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة، في إطار إجراءات تهدف إلى ضمان وفرة العرض واستقرار الأسعار.

وبررت الحكومة هذه التدابير بكونها جزءاً من سياسة شاملة لمواجهة تأثيرات التضخم العالمي وتوالي سنوات الجفاف، عبر دعم القدرة الشرائية وتفادي اضطرابات تموينية في الأسواق، خاصة في فترات حساسة كعيد الأضحى.

غير أن هذا التبرير لم يقنع العديد من الفاعلين السياسيين ولا شرائح واسعة من المواطنين، الذين يعتبرون أن الأسعار ما زالت مرتفعة، وأن الدعم لم ينعكس بشكل مباشر على الأثمنة النهائية المعروضة في الأسواق.

التساؤلات لا تتوقف عند حجم الدعم وأعداد المستفيدين، بل تتعداها إلى ما هو أعمق، إذ يطرح الكثيرون علامات استفهام حول غياب آليات صارمة للمراقبة والتتبع، وشفافية الإعلان عن المعطيات، وفتح المجال أمام الجميع للاستفادة بشكل عادل.

في المقابل، ترى الحكومة أن إجراءاتها واضحة وتستند إلى معايير دقيقة، وأنها حريصة على إيصال الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين.

آخر الأخبار