بين الطموح الحضري والمعاناة الاجتماعية.. الدار البيضاء تسابق الزمن لتنزيل مشروع المحج الملكي

بعد سنوات من التعثر والتأجيل، دخل مشروع المحج الملكي بمدينة الدار البيضاء مرحلة التنزيل الفعلي، وسط تحركات متسارعة من جماعة المدينة لتنزيل هذا الورش الكبير على الأرض، تمهيدًا لتحويل قلب العاصمة الاقتصادية إلى معلمة حضرية متطورة تستجيب لطموحات المرحلة، خصوصًا في أفق احتضان المغرب لعدد من مباريات كأس العالم 2030.
ووفقا لمصادر “الجريدة 24" فإن المجلس الجماعي للدار البيضاء، بتنسيق مع السلطات المحلية، باشرت خطوات ملموسة لتنزيل المشروع الذي ظل لسنوات حبيس الرفوف، بدءًا من إشعارات الإفراغ الموجهة لسكان عدد من البنايات بالمدينة القديمة، خصوصًا في حي “البحيرة”، وصولًا إلى الشروع في عمليات الهدم التي انطلقت بوتيرة متسارعة في عدد من النقاط المجاورة بالمدينة القديمة.
الإشعارات شملت عدداً من المحلات السكنية والتجارية، بسوق البحيرة، وهو ما أثار حالة من الغضب وسط الساكنة وفعاليات المجتمع المدني، التي ترى في هذا الإجراء تعسفًا لا يراعي الجوانب الإنسانية والاجتماعية للمشروع، مطالبين بنقلهم على وجه سرعة لمكان آخر، خاصة أن أغلبهم من الفئات الهشة.
المشروع، الذي يحمل رؤية متكاملة لإعادة إحياء المدينة القديمة، لا يستهدف فقط تحديث البنية التحتية، بل يسعى إلى تقديم نموذج عمراني يمزج بين الأصالة المغربية والحداثة الحضرية، من خلال إنشاء حدائق وساحات عمومية، وبنايات مستوحاة من المعمار التقليدي، إلى جانب توسعة المعرض الدولي المجاور لمسجد الحسن الثاني، ما من شأنه أن يمنح المنطقة بعدًا سياحيًا واستثماريًا واعدًا.
ويأتي هذا الدفع الجديد في وقت حساس، حيث تعوّل الحكومة المغربية على المدن الكبرى لتكون في مستوى التحدي التنظيمي واللوجستي المرتبط بكأس العالم، وتعتبر الدار البيضاء إحدى أبرز هذه المحطات لما تزخر به من إمكانيات عمرانية وبشرية واقتصادية.
من هذا المنطلق، تتحرك عمدة الدار البيضاء نبيلة الرميلي بخطى متسارعة لإعادة الاعتبار للمجال التاريخي للعاصمة الاقتصادية، الذي ظل لسنوات يعاني من الإهمال والعشوائية.
ورغم الجدل الذي رافق بداية تنزيل المشروع، خاصة على مستوى قرارات الهدم والإفراغ، والتي مست بعض المباني غير المصنفة كآيلة للسقوط، فإن الجهات الرسمية تؤكد على أن الهدف الأساسي هو تحويل المدينة القديمة إلى قطب سياحي واقتصادي متكامل، يليق بمكانة الدار البيضاء الدولية خلال السنوات القادمة.
في الوقت نفسه، تشهد الساحة المدنية تحركات متزايدة من قبل الجمعيات المحلية، التي تطالب بأن يتم تنزيل المشروع في إطار مقاربة تشاركية تراعي البعد الإنساني، وتضمن الحق في السكن الكريم قبل أن تنطلق ورش التحديث.
فنجاح المشروع، في نظر هذه الفعاليات، لا يمكن أن يتحقق فقط عبر الآليات التقنية، بل يحتاج أيضًا إلى إشراك السكان وضمان انتقال حضري سلس لا يترك أحدًا خلف الركب.
وتشير المعلومات التي حصلت عليها "الجريدة 24" إلى أن بعض السكان توصلوا بالفعل بمساعدات مالية بلغت 9000 درهم كمساهمة مؤقتة في مصاريف الإيجار، غير أن هذه الخطوة لم تُرضِ جميع المتضررين بالمدينة القديمة، خاصة في ظل التدهور المتواصل للقدرة الشرائية وصعوبة العثور على سكن بديل يفي بالغرض، ولو بشكل مؤقت.