مطالب برلمانية بفتح ملف فوضى الأدوية غير المعوض عنها

في وقت باتت فيه التغطية الصحية حقًا دستوريًا ومطلبًا اجتماعيًا ملحًّا، يجد آلاف المرضى في المغرب أنفسهم أمام معركة يومية تتجاوز الألم الجسدي إلى صراع آخر أكثر تعقيدًا، يتمثل في ارتفاع أسعار الأدوية وتضييق دائرة التعويضات، ما يجعل الكثيرين يعيشون على هامش النظام الصحي، رغم توفرهم على تغطية اجتماعية ظاهرية.
واقع مقلق لم يعد مجرد أرقام في تقارير المؤسسات الصحية، بل صار وجعًا يوميًا يهدد استقرار الأسر ويضع مستقبل الرعاية الصحية في المغرب على المحك.
في هذا السياق، تحرّك البرلمان لمساءلة الحكومة حول فوضى الأدوية غير القابلة للتعويض، حيث وجّهت النائبة البرلمانية عن حزب الحركة الشعبية فاطمة الكشوتي سؤالًا كتابيًا إلى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، داعية إلى مراجعة عاجلة للائحة الأدوية التي يشملها نظام "الثالث المؤدي" المعتمد في إطار التغطية الصحية الأساسية.
هذا النظام، الذي يُفترض أن يخفف العبء المالي عن كاهل المواطن، بات في صورته الحالية عاجزًا عن مواكبة الواقع المرضي والاجتماعي، خصوصًا بعد استثناء عدد من الأدوية الحيوية، رغم أهميتها وارتفاع تكلفتها.
النائبة الكشوتي سلطت الضوء على حقيقة مؤلمة؛ فبينما تشمل اللائحة الحالية 32 حالة مرضية تغطيها الدولة، إلا أن العديد من الأدوية، ومن ضمنها تلك التي تُوصف لعلاج أمراض خطيرة ومزمنة كداء "كروه"، لا تدخل ضمنها، ما يجعل تكلفة العلاج عبئًا ثقيلًا على المرضى وأسرهم.
واعتبرت في معرض سؤالها، أن دواء "Stelara 90mg" كمثال، يبلغ ثمن الحقنة الواحدة منه أكثر من 25 ألف درهم، رقم لا يُطاق لدى غالبية المواطنين، ما يطرح تساؤلات حقيقية حول مدى عدالة الولوج إلى العلاج في المغرب.
كما ساءلت الوزارة، عن التدابير والإجراءات لضمان ولوج منصف وفعّال للعلاجات الأساسية والمكلفة لفائدة جميع المواطنين المستفيدين من التغطية الصحية.
هذا الصمت الرسمي تُقابله أصوات مدنية ترتفع محذّرة من كارثة قادمة، وعلى رأسها الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، التي نبهت إلى أن ارتفاع أسعار الأدوية لم يعد فقط معضلة إنسانية بل تهديد حقيقي لاستدامة المنظومة الصحية الوطنية.
الأدوية وحدها ، حسب الشبكة، تمثل حوالي 40% من إجمالي تكاليف النظام الصحي وفي ظل عجز صناديق الضمان الاجتماعي، فإن الاستمرار بهذا النهج يهدد بانهيار كامل في التوازن المالي والخدماتي للصحة العمومية.
ودعت الشبكة الحكومة إلى التخلي عن منطق السوق الحر في تسعير الأدوية، معتبرة أن الدولة لا يمكن أن تنفض يدها من مسؤوليتها الاجتماعية تجاه المرضى، خاصة في ما يتعلق بضمان الحق في العلاج وتوفير الدواء بجودة وسعر مناسبين.
فالسياسات الحالية، كما جاء في بلاغ الشبكة، لا تؤدي فقط إلى رفع مستوى الفقر والحرمان، بل تكرّس نوعًا من الطبقية الصحية، حيث يصبح العلاج امتيازًا لمن يملك، لا حقًا لمن يحتاج.