دعم استيراد الأغنام يشعل فتيل أزمة سياسية تحت قبة البرلمان

وسط أجواء من التوتر السياسي وتراشق التصريحات، انطلقت الدورة الربيعية للبرلمان، اليوم الجمعة، على وقع خلاف حاد بين الأغلبية والمعارضة، تحوّل إلى صراع مكشوف بشأن مدى شفافية الحكومة في إدارة ملف استيراد المواشي والدعم العمومي الموجه للقطاع، في وقت يعاني فيه المواطنون من موجات غلاء غير مسبوقة في أسعار المواد الغذائية.
الملف الذي انطلق كإجراء اقتصادي استثنائي، أصبح اليوم ورقة سياسية شائكة، يتبادل الفرقاء الاتهامات من خلالها بشأن التوظيف السياسي للمبادرات الرقابية، وتضارب الأرقام الرسمية، وتبديد أموال دافعي الضرائب دون نتائج ملموسة.
الشرارة الأولى للأزمة اندلعت بعد تصريحات متباينة صادرة من وزراء وشخصيات رسمية حول القيمة الحقيقية للدعم الموجه لاستيراد الأغنام واللحوم الحمراء.
ففي الوقت الذي صرح فيه نزار بركة، وزير التجهيز والماء والأمين العام لحزب الاستقلال، أن الغلاف المالي للعملية تجاوز 13 مليار درهم، خرج رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب وقيادي حزب التجمع الوطني للأحرار، لينفي هذا الرقم جملة وتفصيلًا، مؤكدًا أن الكلفة لم تتعد 300 مليون درهم.
وبعد أيام من الأخذ والرد، حاولت وزارة الفلاحة طمأنة الرأي العام ببيان قالت فيه إن الكلفة الفعلية لم تتجاوز 437 مليون درهم، موزعة بين سنتي 2023 و2024.
داخل قبة البرلمان، احتدم الجدل بسرعة، مع تقديم المعارضة طلبًا رسميًا لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وهي الآلية الدستورية الأعلى رقابة، والتي تتيح للبرلمان سلطات واسعة لجمع الوثائق واستدعاء المعنيين تحت طائلة العقوبات القانونية، ما يجعلها أداة قوية في كشف أوجه القصور أو الفساد المحتمل.
المعارضة، التي تقود هذا التوجه، شددت في تصريحات متفرقة لبعض من النواب على هامش افتتاح الدورة الربيعية على أن طبيعة الملف، المرتبطة بشبهات تضارب مصالح وتبديد أموال عمومية، لا يمكن حسمها بتقارير وصفية أو مهمات استطلاعية تفتقر إلى القوة الإلزامية.
بالمقابل، رأت الأغلبية البرلمانية في تصريحات متفرقة لعدد من النواب أن تشكيل لجنة تقصي الحقائق يعد "مبالغة" و"تهويلا سياسيا"، ودافعت عن تشكيل مهمة استطلاعية، معتبرة أنها أكثر مرونة وتناغمًا مع السياق.
ومشددة على أن الحكومة قدمت في مناسبات عديدة توضيحات مالية دقيقة خلال نقاشات قانون المالية.
وحرص نواب الأغلبية على إبراز هذه المبادرة كخطوة للتجاوب مع الرأي العام وليس للتهرب من الرقابة، بينما ردت المعارضة بأن ما حدث هو مجرد مناورة لنسف مسار كان سيفضي إلى مساءلة جدية، وربما إلى تبعات قانونية في حال ثبوت اختلالات.
واعتبر نواب المعارضة في تصريحاتهم المتفرقة، أن استيراد الأغنام بهذا الشكل، وبهذه الغلافات المالية المعلنة وغير المعلنة، لم يفضِ إلى نتيجة حقيقية على مستوى الأسعار، التي استمرت في الارتفاع، ما يعني أن العملية قد تكون وُظّفت لخدمة مصالح ضيقة، وهو ما يتطلب، بحسبها، تحقيقًا برلمانيًا ذا صلاحيات حقيقية.
من جهة أخرى، تتهم الأغلبية المعارضة بأنها تسعى إلى تسييس الملف، وتحويله إلى ورقة للهجوم على الحكومة في وقت تواجه فيه تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة.
الانقسام داخل البرلمان لم يقتصر على النقاش المؤسساتي، بل امتد إلى لغة الاتهام والاتهام المضاد.
فكل طرف بات يتهم الآخر بمحاولة التلاعب بآليات الرقابة الدستورية، وبتغليب منطق الحسابات السياسوية على منطق الشفافية والمساءلة.
وفي خضم هذا التجاذب، لا يبدو أن الأزمة في طريقها إلى الانفراج قريبًا، خصوصًا في ظل إصرار المعارضة على المضي قدمًا في المطالبة بلجنة تقصي الحقائق، ورفض الأغلبية لأي خطوة قد تفهم على أنها استجابة لضغط سياسي، وليس لحاجة موضوعية.
وهكذا يجد البرلمان نفسه في اختبار حقيقي، لا يتعلق فقط باستيراد المواشي، بل بقدرته على الاضطلاع بدوره الرقابي في واحدة من أكثر القضايا إثارة للرأي العام في الآونة الأخيرة.