بعد جدل السترات الصفراء.. عمدة الدار البيضاء تراهن على خلق منهجية جديدة لتسيير “الباركينات”

في قلب العاصمة الاقتصادية، تتعالى نبضات التغيير لتعلن عن ميلاد مرحلة جديدة في تسيير الفضاءات الحضرية، حيث تسعى جماعة الدار البيضاء، بقيادة العمدة نبيلة الرميلي، إلى إعادة تشكيل مشهد “الباركينات” بأسلوب أكثر تنظيماً وفعالية.
خطوة تأتي في سياق دينامية متسارعة تشهدها المدينة، تزامنًا مع استعدادات المملكة لاحتضان محطات رياضية عالمية كبرى، وعلى رأسها كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، ما يفرض تحديات مضاعفة على مستوى البنية التحتية والتنظيم الحضري.
ووفقا لمصادر الجريدة 24، فإن الرميلي تراهن على قطيعة جذرية مع الممارسات القديمة التي لطالما أرّقت البيضاويين، خاصة مع تنامي الشكايات المرتبطة بالسترات الصفراء، وغياب أي تأطير قانوني لمهنة “كارديان” التي تحولت في بعض المناطق إلى رمز للفوضى والعشوائية.
العمدة لم تكتفِ بالتصريحات، حسب ذات المصادر، بل أقدمت على خطوات عملية تمثلت في تجميد جميع الرخص التي كانت تُمنح لأصحاب السترات، واضعة بذلك حدًا للشائعات التي راجت بشأن نية الجماعة إعادة توزيعها.
وذهبت أبعد من ذلك بسحب تفويض منح الرخص من رؤساء المقاطعات، إيذانًا ببدء مرحلة جديدة تؤسس لمنظومة قانونية ومؤطرة لتدبير مواقف السيارات.
المصادر نفسها للجريدة 24، كشفت أن المجلس الجماعي يضع حاليًا اللمسات الأخيرة على دفتر تحملات جديد سينظم عملية ركن السيارات ويضمن شفافية العلاقة بين المواطن والجهات المفوضة، مع اعتماد معايير تقنية وقانونية حديثة تضع حدًا للاستغلال غير المشروع للملك العمومي.
ولا تقتصر المنهجية الجديدة، فقط على الجانب التنظيمي، بل تتعداه إلى الاستثمار في البنية التحتية، من خلال إنشاء مرائب تحت أرضية ومرافق ذكية تتماشى مع الطفرة العمرانية التي تعرفها المدينة.
في هذا السياق، يجري العمل على مشروع مرآب حديقة جامعة الدول العربية، الذي تجاوز مراحله الأخيرة ومن المتوقع افتتاحه قريبًا.
هذا الفضاء سيتيح أزيد من 300 مكان للركن يوميًا، مع اعتماد تقنيات حديثة في الولوج والأداء، وهو ما وعدت به العمدة الرميلي من خلال منشور رسمي على صفحتها بـ"فيسبوك"، حيث أكدت أن المشروع يشكل جزءًا من رؤية شمولية تهدف إلى تحسين جودة الحياة داخل العاصمة الاقتصادية.
ولم يكن هذا المشروع هو الأول في نوعه، فقد سبقه مرآب “مثلث الفنادق” الذي تم افتتاحه نهاية نونبر الماضي، والذي يوفر 551 مكانًا موزعة على طابقين تحت الأرض، بمساحة تناهز 8000 متر مربع لكل طابق. يتميز هذا المرفق بمداخل متعددة تسهّل على مستعملي السيارات عملية الولوج والخروج، في تجربة حضرية نموذجية تراعي انسيابية التنقل داخل المدينة.
الجهود لا تتوقف عند هذا الحد، إذ من المرتقب إنجاز مرآب ثالث في قلب الدار البيضاء بسعة تفوق 600 مكان، وسيتم افتتاحه منتصف سنة 2025.
هذا المشروع يأتي في إطار استراتيجية متكاملة تستهدف التخفيف من حدة الازدحام المروري الذي تعاني منه المدينة منذ سنوات، خاصة في أوقات الذروة والمناطق التجارية والسياحية.
وبحسب تقديرات رسمية، فإن التكلفة الإجمالية لهذه المشاريع الثلاثة تناهز 500 مليون درهم، وهو ما يعكس حجم الرهان الذي تضعه جماعة الدار البيضاء على تحسين جودة النقل الحضري وتسهيل تنقل المواطنين والزوار.
كما تؤكد هذه الاستثمارات على وجود إرادة سياسية قوية لإرساء دعائم مدينة ذكية، تنسجم مع التحولات الكبرى التي يعرفها المغرب على مستوى البنيات التحتية.
من الواضح أن الرميلي تسعى إلى ترسيخ نموذج جديد في التدبير المحلي، يرتكز على الشفافية، الحوكمة، والمحاسبة.
ومع كل خطوة تُنجز، يزداد الأمل في أن تتحول الدار البيضاء إلى قطب حضري متكامل، لا يليق فقط بسكانها، بل بكل من يحلم بمدينة تستحق أن تُدرج ضمن خرائط المستقبل.