فاجعة أرفود تعيد الجدل حول العنف المدرسي وتُشعل مطالب برلمانية عاجلة

الكاتب : انس شريد

13 أبريل 2025 - 07:30
الخط :

يشهد الوسط التربوي في المغرب خلال الفترة الأخيرة تصاعدًا مقلقًا لظاهرة العنف، التي بدأت تتغلغل في الفضاءات التعليمية بشكل لافت، مهددة استقرار المنظومة ومكانة الأطر التربوية.

فقد تعدّت الاعتداءات حدود التصرفات الفردية لتتحول إلى سلوك متكرر، حيث تتوالى حوادث استهداف الأساتذة من طرف تلاميذ وطلبة، في مشاهد صادمة زاد من حدّتها لجوء البعض إلى استعمال الأسلحة البيضاء داخل أو بمحيط المؤسسات التعليمية، ما يكرّس شعورًا عامًا بعدم الأمان ويضع السلطات التربوية والأمنية أمام تحديات غير مسبوقة.

واستفاقت مدينة أرفود، فجر الأحد 13 أبريل، على وقع فاجعة هزّت الأوساط التربوية والمجتمع المغربي بأسره، بعدما لفظت أستاذة بمعهد التكوين المهني أنفاسها الأخيرة، متأثرة بجروح خطيرة كانت قد أصيبت بها خلال شهر رمضان، إثر تعرضها لاعتداء وحشي بواسطة سلاح أبيض من طرف أحد طلبتها.

وكانت الأستاذة الضحية قد نُقلت إلى المستشفى الجامعي الحسن الثاني بمدينة فاس لتلقي العلاجات الضرورية، غير أن حالتها الصحية تدهورت بشكل حاد، ما أدى إلى وفاتها بعد أسابيع من محاولة إسعافها وإنقاذ حياتها.

الواقعة تعود إلى يوم الخميس 27 مارس الماضي، حيث أقدم طالب يبلغ من العمر 21 سنة على مهاجمة أستاذته في الشارع العام مستعملًا أداة حادة من نوع “شاقور”، قبل أن تتدخل مصالح الشرطة بالمفوضية الجهوية للأمن بمدينة أرفود وتلقي القبض على المشتبه فيه بعد وقت وجيز من تلقيها بلاغًا بالحادث.

الحادث المروّع خلّف صدمة عميقة واستياءً واسعًا، وأعاد إلى الواجهة النقاش المحتدم حول تصاعد مظاهر العنف داخل المؤسسات التعليمية ومحيطها، وسط مطالب متزايدة بتدابير عاجلة لحماية الأطر التربوية من مثل هذه الاعتداءات البشعة.

ودفعت هذه التطورات الخطيرة نوابًا برلمانيين إلى دق ناقوس الخطر والمطالبة بتدخل حكومي عاجل لحماية الأطر التربوية.

ووجهت عضو فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب قلوب فيطح، سؤالا شفويا آنيا لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، عن تصور الوزارة لمعالجة استفحال ظاهرة العنف ضد المدرسين والأطر التربوية.

وأوضحت فيطح أن المؤسسات التربوية ظلت على الدوام، فضاء للعلم والتعلم والتربية، كما ظلت المكانة الاعتبارية للأطر التربوية من مدرسين وإداريين تربويين محفوظة بما يليق بتضحياتهم الجسام ومهامهم النبيلة في سبيل التنشئة السليمة للأجيال المتعاقبة.

وأشارت المتحدثة إلى أن جزءا من التحولات المجتمعية، مست هذا الفضاء التربوي، حتى أضحى العنف ضد الأطر التربوية، سلوكا عاديا، وهو ليس كذلك، حيث انتشرت صور تعريض الأساتذة والإداريين التربويين لشتى أصناف الاستهداف، سواء داخل المؤسسات التربوية، أو في محيطها المباشر.

واعتبرت فيطح أن هذا الأمر يتطلب معه معالجة هذا الوضع الشاذ بما يحفظ للمدرسين والإداريين التربويين، مكانتهم الاعتبارية، وحمايتهم الجسدية، وسلامتهم البدنية، مما يتهددهم من أخطار وشيكة ومحققة.

كما سبق للنائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة نادية بزندفة إلى طرح تساؤلات جدية حول مدى نجاعة الإطار التأديبي المعمول به حاليًا، مشيرةً إلى أن المذكرة الوزارية رقم 14/867، التي تنظم العقوبات التأديبية داخل المؤسسات التعليمية، لم تعد كافية لردع هذه التصرفات المتطرفة.

فوفقًا لما جاء في سؤالها الكتابي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي، فإن العقوبات المقررة حاليًا، مثل تنظيف الساحة أو إنجاز أشغال البستنة، تبدو غير رادعة بما يكفي لمعالجة السلوكيات العنيفة، بل إنها تُشعر بعض التلاميذ بإمكانية الإفلات من العقاب، مما يزيد من احتمال تكرار الاعتداءات.

ولذلك، دعت البرلمانية إلى ضرورة مراجعة هذا الإطار التنظيمي واستبداله بتدابير أكثر صرامة تحافظ على هيبة المؤسسة التعليمية وتحمي المدرسين من أي تهديد قد يعيق أداء واجبهم التربوي.

وفي سياق متصل، لم يقتصر الأمر على الاعتداءات داخل المدارس، بل امتد إلى الشوارع والأحياء، حيث شهدت مناطق متعددة بالمغرب تزايدًا في حوادث العنف باستعمال الأسلحة البيضاء، خاصة بين الشباب والمراهقين.

فقد تناقلت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة أخبارًا صادمة عن مواجهات بين مجموعات من التلاميذ بالسكاكين والسيوف، ما أسفر عن إصابات خطيرة وأحيانًا وفيات مأساوية.

هذه الأحداث دفعت النائبة البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية النزهة أباكريم إلى مساءلة وزارة الداخلية حول التدابير التي تم اتخاذها للحد من هذه الظاهرة، مؤكدة أن الشعور بعدم الأمان أصبح ينتاب المواطنين، سواء في الشارع أو حتى داخل المؤسسات التعليمية.

أباكريم استفسرت عن الإجراءات الوقائية التي تعتزم السلطات الأمنية اتخاذها للحد من الاعتداءات بالسلاح الأبيض، وطالبت بتعزيز الدوريات الأمنية حول المدارس وأماكن تجمع الشباب، إضافة إلى تكثيف الحملات التحسيسية والتوعوية داخل المؤسسات التعليمية لمحاربة هذه السلوكيات الخطيرة.

كما شددت على ضرورة تبني مقاربة شاملة لا تقتصر فقط على العقوبات الزجرية، بل تشمل أيضًا الجانب التربوي والاجتماعي، من خلال إشراك الأسر والمجتمع المدني في إعادة ترسيخ ثقافة الاحترام والانضباط.

وفي ظل هذه المستجدات، تجد الحكومة نفسها أمام تحدٍّ حقيقي يتطلب اتخاذ إجراءات حازمة وسريعة للحفاظ على استقرار المؤسسات التعليمية وحماية التلاميذ والمدرسين على حد سواء.

فهل ستستجيب الحكومة لمطالب البرلمانيين والمجتمع بإقرار عقوبات أشد لردع العنف داخل المدارس والجامعات ومراكز التكوين وغيرها؟ أم أن الأزمة ستستمر في التصاعد، مما يهدد بتفاقم الوضع وفقدان الثقة في النظام التربوي ككل؟.

آخر الأخبار