بين أوروبا وأمريكا.. المغرب يفرض نفسه كجسر صناعي واعد وسط حرب التعريفات

الكاتب : انس شريد

13 أبريل 2025 - 08:30
الخط :

في خضم العواصف التجارية التي تعصف بالاقتصاد العالمي، يبرز المغرب كواحة صناعية هادئة تستقطب أنظار المستثمرين الدوليين الباحثين عن ملاذ آمن وبيئة إنتاج مستقرة وواعدة.

ففي الوقت الذي تتأرجح فيه اقتصادات كبرى تحت وطأة الحرب التجارية التي فجّرها الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب عبر فرض رسوم جمركية مرتفعة، ينجح المغرب في ترسيخ مكانته كشريك تجاري موثوق يتمتع بمعاملة تفضيلية نادرة، ما يمنحه أفضلية تنافسية على الصعيد الإقليمي والدولي.

وتستند هذه الأفضلية إلى مزيج متناغم من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية، حيث يشكل الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمملكة، على مرمى حجر من الأسواق الأوروبية والأمريكية، نقطة جذب محورية. كما أن استقرارها السياسي والإصلاحات الاقتصادية التي انتهجتها خلال السنوات الأخيرة قد ساهمت في تهيئة مناخ مثالي للاستثمار، جعل من المغرب منصة صناعية ولوجستية مفضلة لدى العديد من الشركات العالمية.

وبحسب ما أوردته صحيفة "El Economista" الإسبانية، فإن المغرب يحظى بتعريفة جمركية مخفضة تصل إلى 10% فقط على صادراته نحو الولايات المتحدة، في وقت تطال فيه تعريفات تتراوح بين 20 و30% دولاً منافسة مثل الاتحاد الأوروبي والجزائر وتونس.

هذا الفارق في الرسوم يشكل، وفقاً للتقارير الإسبانية، نقطة تحول محتملة للاقتصاد المغربي، خاصة في ظل المساعي المتزايدة للشركات لإعادة هيكلة سلاسل التوريد وتقريب مواقع الإنتاج من الأسواق الكبرى.

وما يزيد من جاذبية المغرب هو احتفاظه بعلاقات دبلوماسية قوية مع واشنطن، حسب ذات التقارير تعود جذورها إلى قرون خلت، حين كان من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة.

هذه العلاقة المتينة تعززت عبر معاهدة الصداقة والسلام الموقعة سنة 1786، والتي لا تزال سارية حتى اليوم، ما يعكس خصوصية العلاقة بين البلدين والتي انعكست تجارياً من خلال هذه المعاملة الجمركية التفضيلية.

ولا تقتصر مزايا المملكة على الجوانب الجمركية فقط، حسب ما كشفته إيكونوميستا الاسبانية، بل تشمل بنية تحتية صناعية متطورة ومناطق حرة حديثة وقوى عاملة شابة ومؤهلة. فقد أشارت تقارير شركة SGF Global إلى أن المغرب يمتلك طاقات بشرية ذات كفاءة عالية في مجالات حيوية كالهندسة والبرمجيات والاتصالات، بالإضافة إلى تنوع لغوي فريد داخل بيئة العمل يتيح التواصل بسلاسة على المستوى الدولي، حيث تُستخدم العربية، الفرنسية، الإسبانية، والإنجليزية بشكل متكامل.

كما أن سياسة "القربنة الصناعية" أو ما يعرف بـ"nearshoring"، وفقا لذات التقارير، وهي التوجه الجديد للشركات بنقل مواقع التصنيع إلى بلدان قريبة من أسواقها الأساسية، تصب في مصلحة المغرب. قربه من أوروبا، وتقاربه الزمني معها، وسهولة الشحن، كلها عوامل تدفع بالمملكة إلى مقدمة المشهد كخيار أول للمصنعين الأوروبيين الراغبين في تجنب التعريفات الأمريكية المطبقة على صادراتهم.

 

 

وقد أشارت صحيفة "El Economista" إلى أن المغرب لا يكتفي فقط باستقطاب الاستثمارات، بل يسعى إلى التموقع كقطب تكنولوجي صاعد، بفضل استثماراته المتزايدة في البنية التحتية الرقمية ومراكز الابتكار. هذه الدينامية جعلت من المملكة بيئة مواتية لشركات التكنولوجيا المتقدمة، لاسيما تلك التي تستهدف السوق الأمريكية وترغب في تقليص تكاليفها الجمركية.

ومن المتوقع، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، أن يسجل الاقتصاد المغربي نمواً بنسبة 3.9% خلال العام الجاري، ما يعكس مناعة نسبية في وجه التقلبات الدولية، ويؤكد نجاح السياسات الاقتصادية المنتهجة.

في الوقت ذاته، تزداد احتمالات أن يحل المغرب محل بعض البلدان الأوروبية في تصدير سلع مثل زيت الزيتون إلى السوق الأمريكية، نظراً لاستمرار الرسوم المفروضة على المنتجات الإسبانية، في حين يحافظ المنتج المغربي على تنافسيته.

ومع استمرار الشركات العالمية في البحث عن بدائل فعالة لتقليل كلفة الرسوم الجمركية وضمان استقرار سلاسل الإمداد، تظل المملكة، بحسب التقارير الإسبانية، أحد أبرز الخيارات الواعدة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

آخر الأخبار