بين الإقلاع الرقمي والتأطير الغائب.. التجارة الإلكترونية تشعل النقاش تحت قبة البرلمان

شهدت التجارة الإلكترونية في المغرب خلال السنوات الأخيرة نموًا متسارعًا، محققةً انتشارًا غير مسبوق بين صفوف الشباب، وسط ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، دفعت العديد منهم إلى البحث عن بدائل رقمية للهروب من شبح البطالة وتحقيق الاستقلال المالي.
هذا التحول اللافت أثار نقاشًا واسعًا داخل المؤسسة التشريعية، حيث تعالت الأصوات المطالبة بتقنين القطاع وحماية حقوق الفاعلين والمستهلكين على حد سواء.
وخلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب، أكد وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، أن التجارة الإلكترونية لم تعد خيارًا مستقبليًا، بل أصبحت حاضرًا ملموسًا في الواقع الاقتصادي المغربي، مشيرًا إلى أن العديد من المنصات الوطنية والدولية باتت توصل المنتجات إلى المستهلك المغربي مباشرة، في وقت تتوفر فيه المملكة على ترسانة قانونية تشمل مدونة التجارة، وقانون حماية المستهلك، ومقتضيات حماية المعطيات الشخصية.
وأوضح الوزير أن هذه المنظومة تحتاج إلى تعزيز وتطوير لتواكب التحولات المتسارعة التي يعرفها القطاع.
كما شدد مزور على ضرورة دعم هذه التجارة لتمكين الباعة المتجولين وتجار الأحياء من الاستفادة منها، وتعزيز مداخيلهم، والرفع من تنافسيتهم داخل السوق الوطنية.
واعتبر أن تطوير التجارة الإلكترونية يمثل فرصة حقيقية لدفع الشباب نحو الابتكار والعمل الحر، بدل الاتكال على سوق شغل تقليدي يعاني من محدودية في العروض.
غير أن هذا الموقف الحكومي لم يُقنع بعض ممثلي المعارضة، حيث وجهت النائبة عن الفريق الاشتراكي، سلوى الدمناتي، انتقادات لاذعة للسياسات الحكومية المتبعة في هذا المجال.
وأشارت إلى أن نسبة البطالة في صفوف الشباب تجاوزت 36 في المائة، في وقت يعيش فيه قرابة أربعة ملايين شاب مغربي في وضعية تهميش اقتصادي واجتماعي، دون أن يتم تصنيفهم بشكل واضح داخل السياسات العمومية.
وأكدت الدمناتي أن عددًا من هؤلاء الشباب فقدوا الثقة في قدرة الحكومة على توفير فرص شغل قارة، فاتجهوا نحو التجارة الإلكترونية كملاذ بديل، حيث استطاع بعضهم تحقيق نجاحات لافتة، جعلتهم من الأثرياء أو مكنتهم من الاستقرار في دول أجنبية.
وانتقدت التأخر الكبير الذي يسجله المغرب في احتضان هذه الكفاءات وتوفير الإطار القانوني المناسب لها، في الوقت الذي تفتح فيه دول أخرى أبوابها أمامهم بصدر رحب.
وأشارت النائبة إلى أن غياب إطار تنظيمي واضح للتجارة الإلكترونية والمهن الرقمية الجديدة، يخلق ضبابية في مستقبل هذا القطاع، ويجعل فئة عريضة من الشباب تعيش في قلق مستمر بشأن مستقبلهم المهني والعائلي داخل البلاد، فضلًا عن الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها الدولة نتيجة تهريب القيمة المضافة إلى الخارج، دون أن تستفيد منها خزينة الدولة أو سوق الشغل المحلي.
ويأتي هذا الجدل البرلماني في وقت يشهد فيه المغرب توسعًا كبيرًا في عدد المنصات الرقمية والتطبيقات المخصصة للبيع والشراء، إلى جانب ارتفاع حجم المعاملات المالية الإلكترونية، وسط غياب نظام ضريبي ملائم وواضح للمتعاملين داخل هذه السوق الجديدة، ما يطرح تحديات كبيرة أمام الحكومة لتقنين القطاع دون أن تقوّض ديناميته.
ويرى مراقبون أن مستقبل التجارة الإلكترونية في المغرب يظل رهينًا بمدى قدرة الدولة على التحرك السريع لتأطير هذا القطاع ووضع آليات تشجع على الابتكار وتضمن في الوقت ذاته الحماية القانونية والاقتصادية لجميع الأطراف، في أفق جعله رافعة حقيقية للتنمية ومحاربة البطالة، لا مجرد توجه ظرفي فرضته التحولات الرقمية العالمية.