الدار البيضاء تُنفض غبار التلوث.. أوراش بيئية كبرى تعيد الحياة لفضاءاتها المهملة

تُباشر حاليًا الأشغال الأولية لتحويل بحيرة الولفة، المعروفة بـ"ضاية الفردوس"، إلى منتزه سياحي جديد بمدينة الدار البيضاء، وتحديدًا بتراب عمالة الحي الحسني، في خطوة تهدف إلى خلق متنفس بيئي وترفيهي لساكنة المنطقة، وتثمين هذا الفضاء الطبيعي الذي طالما عانى من الإهمال والتلوث.
وفي هذا السياق، قامت عمدة الدار البيضاء، نبيلة الرميلي، صباح اليوم بزيارة تفقدية لموقع المشروع، لمتابعة سير الأشغال الجارية بضاية الفردوس، والتي من المرتقب أن تتحول، خلال الأشهر القليلة المقبلة، إلى واحدة من أكبر المنتزهات بالجهة، وواجهة بيئية تليق بالمكانة التي تسعى إليها العاصمة الاقتصادية.
لعقود، كانت البحيرة عبارة عن نقطة سوداء ترزح تحت وطأة النفايات والمياه العادمة، ما حولها إلى مصدر إزعاج للساكنة المحلية، التي ظلت تطالب بإعادة الاعتبار لهذا الفضاء المهمل.
إلا أن التحرك الحاسم لوالي جهة الدار البيضاء سطات، محمد امهيدية، وضع حدًا لهذا الوضع، حيث انطلقت أشغال التهيئة بوتيرة سريعة لتحويل الضاية إلى منتزه راقٍ، يراعي المعايير البيئية والتنموية الحديثة، وذلك برصد غلاف مالي يناهز 13 مليون درهم.
ويندرج هذا المشروع في إطار إستراتيجية موسعة تهدف إلى تعزيز المساحات الخضراء والفضاءات البيئية بالدار البيضاء، استجابة لحاجة الساكنة الملحة لمتنفسات طبيعية، وضمن رؤية تروم تأهيل المدينة بيئيًا للتماشي مع المتطلبات الدولية، خصوصًا تلك التي تفرضها الفيفا على المدن الطامحة لاحتضان فعاليات كأس العالم.
وفي هذا الإطار، تم تخصيص أزيد من 120 مليون درهم لمشاريع بيئية على مستوى المدينة، ضمنها 70.5 مليون درهم لإنجاز مشاريع جديدة سنة 2025، و57.2 مليون درهم لتدبير وصيانة الفضاءات الحالية.
وتراهن جماعة الدار البيضاء، تحت إشراف شركة التنمية المحلية "كازا بيئة"، على إطلاق مشاريع بيئية كبرى تُعزز موقع المدينة كقطب حضري مستدام.
من بين هذه المشاريع، تهيئة كورنيش عين الذئاب والمنتزه البحري لمسجد الحسن الثاني، بتكلفة تقارب 10 ملايين درهم، إلى جانب إعادة تأهيل حدائق قائمة وإنشاء مساحات جديدة وفق تصور عصري يدمج الوظيفة الجمالية بالبعد البيئي.
في هذا الإطار، باتت مدينة الدار البيضاء تتوفر على أكثر من 130 هكتارًا من المساحات الخضراء والمنتزهات، تشرف على تدبيرها شركة "الدار البيضاء للبيئة"، موزعة على مواقع متعددة داخل المدينة. من أبرز هذه الفضاءات، ساحة الراشيدي "نيفادا"، التي توفر 4000 متر مربع لمحبي رياضة التزلج، والممشى الساحلي الممتد لأزيد من 5 كيلومترات، والمُعد لعشاق الجري وركوب الدراجات والتنزه على ضفاف الأطلسي.
وتُعد حديقة الجامعة العربية واحدة من أكبر المتنفسات الخضراء الحضرية في إفريقيا، إذ تمتد على مساحة 30 هكتارًا وتوفر بيئة مثالية للعائلات الباحثة عن لحظات راحة واستجمام. أما منتزه بشار الخير في الحي المحمدي، فيعتبر نموذجًا آخر للمبادرات البيئية الناجحة داخل المدينة، إذ يضم أكثر من 1100 شجرة و20 نوعًا مختلفًا من النباتات، إلى جانب فضاءات رياضية وترفيهية تلبي احتياجات فئات عمرية مختلفة.
وتمثل الهضبة الخضراء بسيدي مومن نموذجًا استثنائيًا لإعادة التأهيل البيئي، بعد أن كانت مطرحًا عشوائيًا للنفايات، وتحولت إلى حديقة إيكولوجية بمساحة 12 هكتارًا، تحتضن 32 نوعًا من النباتات، وتغطي المساحات الخضراء 58% من مساحتها الإجمالية، ما يجعلها فضاءً بيئيًا مثاليًا يعكس الطموح البيئي للمدينة.
وبينما تتواصل الأشغال على مستوى ضاية الفردوس، يتطلع البيضاويون إلى أن يُعيد المشروع الاعتبار لهذا الفضاء الطبيعي، ويُعزز الجاذبية البيئية للعاصمة الاقتصادية، بما ينسجم مع رهانات التنمية المستدامة، ويواكب طموحات المدينة في التحول إلى قطب بيئي حضري عصري، يزاوج بين الحاجيات السكانية ومتطلبات التوازن البيئي.