مأساة في سوق الجملة بالدار البيضاء تُشعل الغضب وتُفجر ملفات الفساد والإهمال

شهد سوق الجملة للخضر والفواكه بمدينة الدار البيضاء مؤخرا حادثا مأساويا أودى بحياة أحد المياومين إثر سقوطه من فوق شاحنة أثناء عملية تغليف السلع، ما أثار موجة غضب في صفوف المهنيين والتجار العاملين داخل هذا المرفق الاقتصادي الحيوي، وفتح الباب أمام مطالب نقابية بإجراء تحقيق عاجل وتحميل المسؤوليات.
وحمّل المكتب النقابي لتجار وعمال ومهنيي سوق الجملة، المنضوي تحت لواء الفيدرالية الديمقراطية للشغل، إدارة السوق مسؤولية الحادث، معتبرا أن مدير السوق يتحمل المسؤولية الإدارية والمدنية بصفته المسؤول الأول عن تنظيم وتسيير هذا المرفق العمومي.
وأكد المكتب النقابي، في مراسلة رسمية وُجهت إلى رئيسة جماعة الدار البيضاء نبيلة الرميلي، أن ما وقع يرقى إلى مستوى الإهمال الجسيم في تدبير شؤون السوق، ويستوجب تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ودعت الهيئة النقابية إلى فتح تحقيق إداري وقضائي شفاف لتحديد ملابسات الحادث ومحاسبة كل من ثبت في حقه تقصير أو تهاون، مشددة على ضرورة إعادة النظر في أوضاع العمال داخل السوق، وضمان احترام حقوقهم المهنية والاجتماعية، وتوفير شروط السلامة والحماية القانونية، بما في ذلك التغطية التأمينية والرقابة الصحية.
وفي السياق ذاته، اعتبرت النقابة أن الفقيد راح ضحية غياب إجراءات السلامة، في ظل استمرار ما وصفته بـ"الاختلالات الإدارية وسوء تدبير شؤون السوق"، حيث أشارت إلى عدم توفر عقود قانونية للشغل، وغياب التغطية الاجتماعية والطبية، وافتقار المرافق لأدنى شروط الوقاية المهنية، مما يزيد من هشاشة وضعية المستخدمين ويعرض حياتهم للخطر.
وتزامنا مع حادث الوفاة، انفجرت أزمة جديدة داخل السوق بسبب تعطل النظام المعلوماتي، وهو ما أثار شكوك المهنيين حول مدى شفافية المعاملات الرقمية.
وتحدثت النقابة عن أعطاب متكررة طالت النظام الآلي المخصص لتدبير المعطيات داخل السوق، معتبرة أن الأمر لا يخلو من شبهات قد ترقى إلى مستوى التلاعب والتزوير.
وأكدت أن لديها معطيات موثقة سبق أن كانت موضوع تحقيقات قضائية، وأفضت إلى محاكمة مسؤولين متورطين في التلاعب بالمعطيات الرقمية الحساسة.
المكتب النقابي عبّر عن قلقه من استمرار ما سماه "التجارب التقنية المشبوهة" التي يتم تبريرها لتعطيل النظام المعلوماتي، بالتزامن مع وجود تحريات تباشرها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
كما طالب بإعادة هيكلة النظام المعلوماتي وفق معايير شفافة، تضمن حماية مصالح التجار، وتمنع أي محاولات للاختراق أو التلاعب بالمعطيات، مؤكدا أن هذا الخلل التقني يفتح المجال أمام التجاوزات ويضرب مبدأ العدالة الاقتصادية.
وأثار قرار إدارة السوق فرض رسوم جديدة على دخول الشاحنات موجة استياء واسعة، إذ اعتبر المهنيون أن هذه الإجراءات تُثقل كاهل التجار، وترفع أسعار المنتجات الموجهة للمستهلك.
وتُفرض على الشاحنات رسوم متنوعة تشمل 6% عند ولوج السوق، و6% إضافية عند الميزان، فضلا عن 0.20% كعمولة للوكيل، و1% كضريبة على القيمة المضافة، وهو ما وصفه التجار بـ"الابتزاز المقنن".
وامتدت الاحتجاجات خارج أسوار السوق، مع تنامي قلق المواطنين من انعكاسات هذه الأوضاع على أسعار الخضر والفواكه، التي شهدت ارتفاعا ملحوظا في الآونة الأخيرة.
وفي ظل الوضع الاقتصادي الهش، تُطرح تساؤلات حول نجاعة تدبير هذا المرفق العمومي، ومدى التزام الجهات المشرفة عليه بمبادئ الشفافية والمحاسبة.
ويترقب الرأي العام المحلي تحركا حازما من قبل جماعة الدار البيضاء، وعلى رأسها العمدة نبيلة الرميلي، لاحتواء الأزمة واتخاذ قرارات جريئة لإعادة الثقة في هذا السوق الذي يشكل شرياناً حيوياً لتزويد العاصمة الاقتصادية بالمواد الغذائية الأساسية، وضمان حقوق المستخدمين والتجار، وتحقيق توازن بين المرفق العام ومصالح المواطنين.