واقع مقلق داخل الأحياء الجامعية بفاس

وسط أسوار الأحياء الجامعية بمدينة فاس، تختبئ قصص طالبات يعشن ظروفا صعبة تتهدد مسارهن الدراسي، بدءا من الاكتظاظ المهول في الغرف، إلى غياب وسائل النقل، وصعوبة الولوج إلى الحمامات، بل وأحيانا غياب الإنارة والمياه الصالحة للشرب.
واقع يزداد تأزيما بسبب ظواهر مقلقة، أبرزها "الطالبات المجرودات" اللواتي يقيمن بشكل غير قانوني نتيجة تضامن زميلاتهن، مما يحول الغرف المخصصة لأربع طالبات إلى فضاءات مكتظة بست أو سبع.
في زيارة ميدانية قامت بها لجنة برلمانية في إطار مهمة استطلاعية مؤقتة يوم الخميس 23 فبراير 2023، وقف النواب البرلمانيون على مشاهد تعكس هشاشة البنية التحتية داخل عدد من الأحياء الجامعية بفاس، وعلى رأسها حي سايس-1، حيث اشتكت الطالبات من ضعف التفاعل مع شكاياتهن، ووجود غرف وأجنحة فارغة لا تخصص للسكن رغم الحاجة الملحة.
كما أشار النواب إلى انتشار تصدعات في البنايات، وضعف خدمات النظافة، وغياب التواصل الفعال بين إدارة الحي والطالبات.
ما يزيد الطين بلة هو بعد المسافة بين بعض الأحياء والكليات، ما يجعل التنقل اليومي محفوفا بالمخاطر، في ظل غياب وسائل نقل كافية، ويؤدي أحيانا إلى تفويت المحاضرات أو التعرض للتحرش في الطريق.
تنبيهات وتحذيرات
المهمة الاستطلاعية التي همت أحياء سايس 1 و2 و3، شهدت تسجيل ملاحظات دقيقة من طرف النواب، حيث أشاروا إلى أن الغرف في بعض الأحياء تحتضن عددا من الطالبات يفوق طاقتها الاستيعابية، كما هو الحال في سايس-3، حيث تصل أحيانا إلى 7 طالبات في غرفة واحدة، ما يهدد الخصوصية ويضعف من جودة العيش.
النواب دعوا إلى معالجة أعطاب شبكة الماء والكهرباء، وتوسيع المكتبات التي لا تستوعب أعداد الطالبات، وتحسين تغطية الأنترنت داخل الغرف، فضلا عن توفير مخارج إغاثة في حال وقوع حوادث طارئة، وهي أمور غائبة عن تصميم بعض المباني الجامعية.
تقرير المهمة الاستطلاعية سجل بطء في التفاعل مع الطلبات المرتبطة بالصيانة، وغياب مصابيح أو أبواب في بعض المراحيض، وضيق الوقت المخصص لاستخدام الحمامات، مما يشكل ضغطا كبيرا على الطالبات.
في هذا الصدد، أكد أعضاء المهمة البرلمانية أن مهمتهم تأتي في إطار رقابي، وتهدف إلى الترافع من داخل مجلس النواب لإصلاح الأوضاع، وتحسين ظروف الإقامة داخل هذه الفضاءات الحيوية بالنسبة للطلبة.
نور في المنظومة
رغم هذا الواقع المتفاوت، إلا أن أمل التغيير يتجلى بوضوح في بعض النماذج الناجحة، وعلى رأسها الحي الجامعي سايس - 2، الذي وصفه النواب بـ"النموذجي"، داعين إلى تعميم تجربته على باقي الأحياء الجامعية بالمغرب.
الحي يتميز بغرف واسعة ونظيفة، تستوعب طالبتين فقط، وهو ما يحفظ الخصوصية والراحة النفسية للطالبات.
وتتوفر الغرف على أثاث كامل، مع تغطية جيدة بالأنترنت عبر الألياف البصرية، ويستفيد سكان الحي من إدارة تتواصل باستمرار مع الطالبات وتستجيب لملاحظاتهن، إلى جانب بيئة نظيفة تتخللها حدائق وساحات منظمة.
مدير الحي أشار إلى أن المعيار الأساسي للسكن هو التفوق الدراسي، ما جعل هذا الفضاء يحتضن طالبات من مؤسسات ذات استقطاب محدود ككلية الطب والمدارس العليا.
وتعززت مكتبة الحي بعدد من الكتب المقترحة من طرف الطالبات أنفسهن، مما يعكس انخراط الإدارة في التفاعل الإيجابي مع احتياجات قاطنات الحي.
أمل ومعاناة
التقرير البرلماني حول واقع الأحياء الجامعية بفاس كشف عن مشهد مركب، تتداخل فيه مؤشرات الأزمة مع بوادر التحسن.
وفي الوقت الذي تعاني فيه أحياء كسايس-1 وسايس-3 من اختلالات هيكلية وتنظيمية، يبرز حي سايس-2 كنموذج يجب الاحتذاء به، يعكس ما يمكن أن تكون عليه الحياة الجامعية إذا توفرت الإرادة وتكاملت الجهود.
الرهان اليوم هو على تنزيل توصيات المهمة البرلمانية وتحويلها إلى سياسات ملموسة، تجعل من الحي الجامعي فضاء آمنا، ونظيفا، وملائما للتحصيل العلمي، خاصة أن أغلب الطلبة والطاليات ينحدرون من أوساط قروية وهشة، ويعتبرن هذه الأحياء ملاذا لتحقيق حلمهن الأكاديمي والمهني.