التجارة الإلكترونية بالمغرب.. ازدهار متسارع يُقابله انفلات قانوني وعمليات نصب متكررة

الكاتب : انس شريد

19 أبريل 2025 - 10:00
الخط :

تشهد التجارة الإلكترونية في المغرب نموًا لافتًا خلال السنوات الأخيرة، بعدما تحوّلت إلى خيار شبه وحيد للآلاف من الشباب الذين وجدوا أنفسهم خارج سوق الشغل التقليدي، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، ومعدلات بطالة مرتفعة.

وقد أصبحت هذه التجارة ملاذًا رقميًا للهروب من شبح التهميش والسعي نحو الاستقلال المالي، مستفيدة من الانفتاح التكنولوجي المتسارع وسهولة الولوج إلى الإنترنت والمنصات الرقمية.

ومع تزايد إقبال المغاربة على البيع والشراء عبر الفضاء الافتراضي، ظهرت تحديات جديدة تتعلق بضعف التأطير القانوني، وتكرار حالات النصب والاحتيال، ما أثار موجة من الجدل داخل الأوساط البرلمانية والحكومية.

ورغم هذا النمو المتسارع، فإن المستهلك المغربي ما زال يصطدم بتجارب سلبية في التعامل مع التجارة الإلكترونية، سواء من حيث جودة المنتجات، أو من خلال اقتنائها دون التوصل بها، في ظل ضعف آليات المراقبة وعدم وضوح مسارات التبليغ والتقاضي.

هذه الإشكالات دفعت النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة، إلهام الساقي، إلى توجيه سؤال كتابي إلى وزير الصناعة والتجارة رياض مزور، بشأن الإجراءات المتخذة لحماية المواطنين من جرائم الاحتيال والنصب عبر الوسائط الرقمية.

وأكدت البرلمانية في معرض سؤالها أن تصاعد وتيرة هذه الظواهر يطرح تساؤلات جدية حول كفاءة المنظومة القانونية الحالية، خاصة القانون المتعلق بحماية المستهلك، الذي لا يغطي بالشكل الكافي التعقيدات الجديدة التي تفرضها التجارة الإلكترونية.

وتقاطع هذا النقاش مع جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب، التي جرت خلال الأسبوع الماضي حيث أكد وزير الصناعة والتجارة أن التجارة الإلكترونية لم تعد مسألة مستقبلية، بل واقع قائم يفرض نفسه بقوة على الاقتصاد المغربي.

وأشار إلى أن المملكة تتوفر على ترسانة قانونية تشمل مدونة التجارة، وقانون حماية المستهلك، ومقتضيات حماية المعطيات الشخصية، لكنها تحتاج إلى تطوير مستمر لتتماشى مع التطور التقني وتنوع الممارسات في هذا المجال.

وأضاف الوزير أن التحدي الراهن يكمن في تعزيز هذه المنظومة القانونية لتشمل جميع المتدخلين، مع إتاحة الفرصة أمام الباعة الصغار وتجار الأحياء للاستفادة من هذه الثورة الرقمية في تحسين مداخيلهم والرفع من تنافسيتهم، بما يضمن لهم انتقالًا سلسًا نحو الاقتصاد الرقمي.

وفي المقابل، لم يُقنع هذا التوجه الحكومي بعض مكونات المعارضة، حيث وجهت النائبة عن الفريق الاشتراكي، سلوى الدمناتي، انتقادات حادة للسياسات المتبعة، مؤكدة أن فئة الشباب تظل الحلقة الأضعف في هذا التحول الرقمي.

وأشارت إلى أن أكثر من 36 في المائة من الشباب المغربي يعانون البطالة، بينما يعيش قرابة أربعة ملايين منهم في وضعية تهميش اقتصادي واجتماعي مزمن، دون أن يتم إدماجهم ضمن رؤية شاملة للسياسات العمومية.

واعتبرت أن العديد من هؤلاء اختاروا التوجه نحو التجارة الإلكترونية كحل بديل، ونجح بعضهم في بناء مشاريع رقمية قوية مكنتهم من تحقيق دخل مستقر، أو حتى مغادرة البلاد للاستقرار في بيئات أكثر دعمًا ومرونة.

واستنكرت الدمناتي غياب الإرادة الجدية لاحتضان هذه الكفاءات وتوفير الأطر القانونية اللازمة لنموها، معتبرة أن استمرار هذا الوضع يدفع الشباب إلى العمل في بيئة غير منظمة، ما يهدد استقرارهم المهني، ويؤثر على مداخيل الدولة التي تخسر سنويًا موارد ضخمة نتيجة تهريب القيمة المضافة إلى الخارج عبر المنصات الدولية.

وأكدت أن غياب نظام ضريبي ملائم، وتحديد قانوني واضح لمهن التجارة الإلكترونية والأنشطة الرقمية، يخلق ضبابية تُعرقل تطور هذا المجال الواعد، وتضع المتعاملين فيه في دائرة القلق الدائم، بدل دفعهم إلى الإبداع والاستثمار بثقة وأمان.

ويتزامن هذا الجدل البرلماني مع توسع غير مسبوق في استخدام التطبيقات والمنصات الإلكترونية في المغرب، سواء لشراء المنتجات أو تقديم الخدمات، في وقت ترتفع فيه قيمة المعاملات الرقمية بوتيرة سريعة.

هذا الوضع يضع الحكومة أمام امتحان حقيقي للبحث عن توازن دقيق بين تشجيع هذا النوع من الاقتصاد وبين ضبطه بالقوانين والضرائب والتنظيمات اللازمة. فرغم الحاجة الماسة إلى تأطير السوق الرقمية، فإن أي تقييد مفرط قد يُفقد القطاع مرونته وديناميته، ويحدّ من قدرته على استقطاب الطاقات الشابة الطموحة.

ويجمع مراقبون على أن مستقبل التجارة الإلكترونية في المغرب يظل رهينًا بمدى جدية الدولة في توفير بيئة حاضنة وآمنة لهذا القطاع، تكون قادرة على حماية المستهلك، وضمان حقوق الفاعلين، وتوليد الثقة لدى الشباب، بما يسمح بتحويل هذا النشاط من مجرد رد فعل ظرفي على أزمة الشغل إلى محرك تنموي حقيقي، يعيد رسم ملامح الاقتصاد الوطني في عصر الرقمنة والتحول التكنولوجي.

آخر الأخبار