دعم "الفراقشية" يُفجر جدلا تحت قبة البرلمان ومصير المهمة الاستطلاعية بيد مكتب النواب

يعيش مجلس النواب على وقع ترقّب حذر لحسم مكتب رئيسه رشيد الطالبي العلمي في مصير المهمة الاستطلاعية المؤقتة التي طُلب إحداثها بشأن دعم استيراد الأبقار والأغنام واللحوم، في سياق ملف بات يعرف إعلاميًا بـ"دعم الفراقشية"، والذي أثار في الأسابيع الأخيرة موجة من الجدل داخل البرلمان وخارجه، نظراً لتضارب المعطيات المتعلقة بتكلفته المالية وحجم المستفيدين منه، وكذا تداعياته الاجتماعية والاقتصادية على الفلاحين والمهنيين والمستهلكين على حد سواء.
وخلص الاجتماع الذي عقدته لجنة القطاعات الإنتاجية مساء الاثنين 21 أبريل 2025، مباشرة بعد جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب، إلى رفع الطلب بشكل رسمي إلى مكتب المجلس للبث فيه، وهو الطلب الذي تقدمت به فرق الأغلبية وبدعم من الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي، ويهدف إلى الوقوف على حقيقة الإجراءات الحكومية المتعلقة باستيراد المواشي وظروف تنفيذها، خاصة في ظل تصاعد الضغط النيابي والشعبي للمطالبة بالكشف عن تفاصيل الدعم ومدى فعاليته في كبح ارتفاع الأسعار في الأسواق الوطنية.
ومن المنتظر أن يُزيح مكتب مجلس النواب الستار عن مصير هذه المهمة خلال الأيام القليلة المقبلة، وسط ترقّب سياسي وشعبي لما ستؤول إليه هذه الخطوة المثيرة للجدل.
ويأتي هذا التحرك في ظل ارتفاع عدد الطلبات الاستطلاعية المقدمة في الجلسة نفسها، حيث ناقشت اللجنة طلبات أخرى تهم مواضيع مختلفة، من بينها مراقبة أسواق السمك، والاختلالات المرتبطة بتسويق اللحوم الحمراء، وتقييم برامج التنمية القروية، وأداء الوكالة الوطنية للمياه والغابات، إضافة إلى طلب رأي من مجلس المنافسة حول مدى احترام الفاعلين الكبار في قطاع التجارة الداخلية لقواعد المنافسة الحرة.
غير أن طلب مهمة استطلاعية حول دعم استيراد الأبقار والأغنام يظل الأكثر حساسية، نظراً لطابعه السياسي والمالي، وارتباطه المباشر بمعيش المواطنين، خاصة مع اقتراب موسم عيد الأضحى.
ويجد مكتب مجلس النواب نفسه اليوم في موقف لا يُحسد عليه، وهو يسعى للموازنة بين الضغط السياسي المتصاعد من فرق المعارضة، التي تطالب بلجنة تقصي حقائق، وبين رغبة الأغلبية في الإبقاء على المسألة في إطار استطلاع داخلي أكثر مرونة وأقل كلفة سياسية.
ويزيد الوضع تعقيدًا التباين الحاد في التصريحات الصادرة عن مسؤولين حكوميين وقيادات حزبية، حول الكلفة الإجمالية لعملية الدعم، ما عمق من أزمة الثقة لدى الرأي العام وطرح علامات استفهام حول الشفافية والوضوح في التعاطي مع الملفات الحساسة.
فبينما تحدث نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء، عن كلفة تناهز 13 مليار درهم، خرج رشيد الطالبي العلمي ليؤكد أن الرقم لا يتجاوز 300 مليون درهم، وهو ما اعتبره مراقبون تضاربًا غير مبرر بين مكونات نفس التحالف الحكومي.
في المقابل، أصدرت وزارة الفلاحة بيانًا رسميًا جاء فيه أن الكلفة بلغت 437 مليون درهم فقط، موزعة على سنتي 2023 و2024، الأمر الذي زاد الطين بلّة وأطلق العنان للانتقادات التي طالت آلية تدبير الدعم من الأساس.
ودفع الارتباك الحاصل في لغة الأرقام، بعدد من البرلمانيين إلى المطالبة بتوسيع التحقيق ليشمل طرق تدبير برامج الاستيراد والدعم، ومدى استفادة صغار الفلاحين منها، وسط مخاوف من أن تكون العملية قد صبت في مصلحة فئة محدودة من كبار المستثمرين على حساب باقي الفئات المتضررة من الأزمة.
وتعتبر المعارضة أن حجم الغموض المحيط بالعملية يبرر الانتقال من الاستطلاع إلى تقصي الحقائق، ضمانًا للمساءلة والمحاسبة، بينما تصر الأغلبية على أن مثل هذه الملفات يجب أن تعالج داخل المؤسسات وبروح بنّاءة، تجنبًا للتشويش على جهود الحكومة في مواجهة الغلاء وضمان الأمن الغذائي.
وفي خلفية كل هذا، تظهر المخاوف من أن تترك تداعيات هذا الملف أثرًا عميقًا على ثقة المواطنين في البرامج الاجتماعية للدولة، خاصة في ظل الهشاشة التي يعرفها العالم القروي وتراجع المردودية الفلاحية بسبب الجفاف وتغيرات المناخ.
وفي انتظار قرار مكتب مجلس النواب، يظل الجدل قائمًا، وتبقى أعين الفلاحين والمستهلكين متجهة صوب المؤسسة التشريعية، أملاً في أن تحمل الأيام المقبلة توضيحًا للحقيقة، وتحديدًا دقيقًا للمسؤوليات، في ملف يختزل حجم التحديات المرتبطة بالحكامة والعدالة الاجتماعية في السياسات العمومية.