فضائح الدعم والريع البحري تفجر الغضب البرلماني.. وزارة الفلاحة أمام مقصلة المحاسبة

تعيش وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات على وقع عاصفة من الانتقادات البرلمانية والأسئلة المحرجة، وسط تصاعد الشكوك حول شفافية تسيير برامج الدعم العمومي، والاختلالات المتفاقمة التي باتت تهدد صورة القطاع الحيوي الذي يعد إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني.
في هذا السياق، وجه فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب سؤالًا كتابيًا إلى وزير الفلاحة أحمد البواري، يطالبه فيه بتوضيحات عاجلة بخصوص مظاهر الفساد التي تعتري قطاع الصيد البحري، واستنزاف الثروة السمكية التي تعد من أهم الثروات الطبيعية للبلاد.
وأكد الفريق أن القطاع البحري يمثل رافعة استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي ودعم الاقتصاد وخلق فرص الشغل، غير أن الممارسات غير الشفافة والريع المستشري باتت تلقي بظلال ثقيلة عليه، ما تسبب في تحوله إلى مجال يعاني الغموض والانتهازية، وأدى إلى حرمان شرائح واسعة من المواطنين من ثروات البحر، في وقت تعرف فيه أسعار الأسماك الشعبية ارتفاعًا غير مسبوق بلغ أكثر من 30 درهمًا للكيلوغرام الواحد من السردين.
وفي خضم هذه التطورات، تساءل فريق التقدم والاشتراكية عن التدابير المستعجلة التي تعتزم الوزارة اتخاذها لمحاربة الفساد والاحتكار، وضمان توجيه الإنتاج البحري نحو تلبية الحاجيات الوطنية، دعمًا للأمن الغذائي الداخلي، بدل تكريس مظاهر الخصاص وارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية.
هذه الاتهامات فتحت الباب واسعًا أمام مساءلة أوسع للوزارة، خاصة بعد بروز قضايا جديدة تزيد من تعميق الأزمة وتؤجج الجدل الدائر حول برامج الدعم الحكومي.
ففي ملف متصل، تفجرت فضيحة جديدة تتعلق بوجود اختلالات مفترضة في عملية توزيع الشعير المدعم المخصص لصغار الفلاحين ومربي الماشية، والذي أقرته الحكومة للتخفيف من تداعيات الجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف.
وقد وجه رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، إدريس السنتيسي، سؤالًا كتابيًا إلى الوزارة، طالب فيه بكشف ملابسات "شبهات التلاعب والتزوير" التي شابت لوائح المستفيدين، بعد تداول شهادات وتقارير صحفية تشير إلى إدراج أسماء لا تستوفي الشروط أو تسجيل مواطنين دون علمهم، مما أوقعهم لاحقًا في مشكلات اجتماعية وإدارية خطيرة.
وطالب السنتيسي بإجراء تحقيق رسمي في هذه الخروقات، مع التشديد على ضرورة توضيح المعايير المعتمدة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين، خاصة في ظل منع بيع الأكياس المدعمة قانونيًا، وسط حديث عن تجاوزات ميدانية تقوض مصداقية هذه البرامج.
وأكد السنتيسي على أهمية اتخاذ إجراءات صارمة لإعادة الاعتبار لنزاهة وشفافية منظومة الدعم، في وقت بدأت فيه علامات الشك تتسرب إلى نفوس المواطنين الذين يعولون على هذه المساعدات لتجاوز أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة.
وتعززت هذه الأجواء القاتمة بجدل آخر انفجر مؤخرًا حول تضارب الأرقام الحكومية المرتبطة ببرنامج دعم استيراد الأغنام واللحوم الحمراء، حيث صرح وزير التجهيز والماء، نزار بركة، بأن الغلاف المالي للعملية تجاوز 13 مليار درهم، بينما قدم رئيس مجلس النواب رقمًا لا يتعدى 300 مليون درهم، قبل أن تحسم وزارة الفلاحة الأمر بإصدار بلاغ رسمي أكدت فيه أن الكلفة بلغت 437 مليون درهم موزعة على سنتي 2023 و2024.
هذا التضارب كشف عن ثغرات خطيرة في التنسيق الحكومي وأثار موجة تساؤلات برلمانية وشعبية حول مدى دقة وشفافية التعامل مع المال العام، حيث طالبت فرق برلمانية بتشكيل لجنة تقصي حقائق لمحاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات المحتملة.
ولم تقف العاصفة عند هذا الحد، بل امتدت إلى ملف زيت الزيتون، حيث أثارت معطيات رسمية أوروبية استغراب الأوساط الوطنية، بعدما كشفت عن ارتفاع صادرات المغرب من زيت الزيتون إلى أوروبا في وقت تعرف فيه الأسواق الداخلية ارتفاعًا صاروخيًا للأسعار تجاوز 110 دراهم للتر الواحد.
في هذا السياق، وجه النائب البرلماني عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، محمود عبا، سؤالًا إلى وزارة الفلاحة بشأن غياب تفاعل حقيقي مع أزمة الأسعار، بالرغم من التطمينات الحكومية التي تحدثت عن أن التصدير يهم فقط أصنافًا محددة من زيت الزيتون.
وتشير المعطيات إلى أن المغرب استورد مؤخرًا كميات كبيرة من الزيوت من أوروبا، خاصة من إسبانيا، حيث بلغت قيمة وارداته أكثر من 12 مليون يورو خلال الأشهر الأربعة الأولى من موسم 2024/2025.
ومع ذلك، لم يؤثر هذا الاستيراد على أسعار الزيوت بالأسواق المغربية، مما عزز الشكوك حول جدوى السياسة المعتمدة في تدبير هذا الملف الحساس، ودفع بالمزيد من البرلمانيين إلى المطالبة بتفسيرات دقيقة وإجراءات عملية لوقف نزيف الأسعار الذي يثقل كاهل المواطن البسيط.
وبينما تتوالى الأسئلة البرلمانية وتتزايد الضغوط على وزارة الفلاحة، يترقب الشارع المغربي نتائج التحقيقات المرتقبة، وسط آمال عريضة بأن تشكل هذه المحاسبة بداية فعلية لإصلاح قطاع حيوي، وترسيخ معايير الشفافية والنزاهة في تسيير المال العام، في وقت تحتاج فيه البلاد أكثر من أي وقت مضى إلى ترميم جسور الثقة بين الدولة والمواطنين.