هل اقتربت الحكومة من كبح فوضى مدونة السير وإنقاذ القانون الجنائي من الجمود؟

لا يزال مشروع القانون الجنائي ومدونة السير يثيران جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والمهنية بالمغرب، وسط دعوات متزايدة لإجراء مراجعة شاملة تضمن العدالة والمساواة وتواكب التحولات المجتمعية.
وبينما تطالب الهيئات الحقوقية والمهنية في قطاع النقل بتعديلات جوهرية تنصف المتضررين من حوادث السير، يواجه مشروع القانون الجنائي صعوبات في الحسم داخل المؤسسات التشريعية، بسبب تباين المرجعيات الفكرية والسياسية بين الفرق البرلمانية.
هذا الجدل المتصاعد يعكس عمق الإشكالات التي تعاني منها المنظومة القانونية الوطنية، سواء في جانبها الزجري المرتبط بالقانون الجنائي، أو في شقها المدني المرتبط بحقوق المتقاضين وتعويض المتضررين، ما يفرض ضرورة الحسم في ملفات تأخرت لسنوات وتؤثر بشكل مباشر على ثقة المواطنين في العدالة ومؤسسات الدولة.
في سياق الجدل المتواصل حول إصلاح الترسانة القانونية المغربية، أعاد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، تسليط الضوء على نقطتين حاسمتين تُثيران الكثير من الجدل داخل الأوساط السياسية والمهنية، الأولى تتعلق بمدونة السير وما تحمله من مظاهر اعتبرها "انحرافًا وتمييزًا طبقيًا"، والثانية تخص مآل مشروع القانون الجنائي الذي لا يزال يراوح مكانه منذ ما يزيد عن عامين داخل ردهات النقاش المؤسساتي والتقني.
ووجه وهبي خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين، اليوم الثلاثاء، انتقادات شديدة اللهجة لمدونة السير، واصفًا إياها بأنها من أسوأ القوانين في المنظومة القانونية الوطنية، مشيرًا إلى أنها تُكرّس التفاوت الطبقي في التعويضات الناتجة عن حوادث السير، إذ تُمنح تعويضات أكبر للأغنياء بناءً على دخلهم المرتفع، بينما يُكتفى بمنح تعويضات "زهيدة" للفئات الفقيرة.
واعتبر أن منطق احتساب التعويض وفق مستوى الدخل ينسف مبدأ المساواة، ويحول القوانين من أدوات عدالة إلى أدوات تمييز.
وفي هذا السياق، كشف وزير العدل عن قرب انتهاء وزارته من مراجعة شاملة لظهير 1984 المتعلق بحوادث السير، مؤكدا أنه سيتم تقديم مشروع قانون معدل للبرلمان قريبًا.
وأوضح أن هذه المراجعة طالت عدة جوانب من بينها آجال التقاضي، والرفع من الحد الأدنى للأجر المعتمد في احتساب التعويضات من 9,270 درهم إلى 14,270 درهم، بالإضافة إلى مراجعة قواعد التقادم، وتوسيع نطاق الحالات التي يحق فيها التعويض لتشمل تصرفات ووقائع جديدة لم تكن مغطاة في النص الأصلي.
وفي جانب متصل، كشف الوزير عن اختلالات جسيمة عرفها صندوق مال الضمان، المكلف بصرف تعويضات للمتضررين من حوادث السير في حالة عجز الجهة المسؤولة عن الدفع.
وأوضح أن الصندوق ظل لفترة طويلة غير فاعل رغم امتلاكه احتياطات مالية كبيرة، مشيرًا إلى أن المحامين اضطروا إلى الحجز على ما مجموعه 186 مليون درهم من أرصدته، بسبب التماطل في صرف مستحقات المتقاضين.
وأضاف أن المدير الجديد للصندوق قام بتسوية ملفات بمبلغ 90 مليون درهم خلال سنتي 2023 و2024، بالإضافة إلى 43 مليون درهم خلال السنة الجارية، في خطوة اعتبرها بداية لاسترجاع الصندوق لدوره.
في الشق الثاني من مداخلته، تطرق وهبي إلى مشروع القانون الجنائي الجديد، مبديا تشاؤمه حيال خروجه إلى حيز الوجود في صيغته النهائية. وأكد أن القانون تمت مناقشته على مستوى اللجان التقنية، لكنه لا يزال محل خلاف سياسي وفكري عميق، بسبب ما اعتبره "تجاذبًا بين تعبيرات الأصالة والمعاصرة".
وأضاف أن النقاش تجاوز السنتين، وأن الجوانب الفنية أصبحت واضحة، إلا أن التوافق السياسي حول الفلسفة العامة والتوجهات الكبرى للقانون لم يُحسم بعد، مما يعرقل مسار المصادقة عليه.
وأردف وهبي قائلا إن القانون الجنائي، كما هو مطروح اليوم، لا يُعبر عن قناعاته الشخصية كوزير ولا عن اختيارات الحكومة، معتبرا أنه من الأفضل ألا يُعتمد قانون جديد لا يحظى بتأييد صناع القرار، ولا يعكس الإرادة الإصلاحية الحقيقية التي يتطلع إليها المغاربة.