البرلمان يُحذر من شرعنة فوضى "الكارديانات" بالبيضاء ويطالب بتطبيق صارم لدفتر التحملات

تعيش مدينة الدار البيضاء في الآونة الأخيرة ضغطًا متزايدًا على مستوى الفضاءات العمومية، يتصدرها مشكل مواقف السيارات الذي أصبح مصدر توتر دائم بين المواطنين وحراس السيارات، وسط فوضى عارمة في تدبير هذا القطاع الحساس.
ويجد المواطنون أنفسهم يوميًا في مواجهة مع حراس يفرضون إتاوات بطرق عشوائية، وفي كثير من الأحيان في أماكن يُفترض أن تكون مجانية أو منظمة من طرف السلطات الجماعية، ما يجعل من الظاهرة واحدة من أبرز مظاهر الاستغلال غير المشروع للملك العمومي.
في ظل هذا الوضع المتأزم، دخل البرلمان على خط تقنين حراس السيارات ودفتر التحملات الجديد، حيث وجهت لطيفة الشريف النائبة البرلمانية عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سؤالا كتابيا إلى وزارة الداخلية، أن المواطن يؤدي بشكل منتظم عدة أنواع من الضرائب والرسوم، مثل الضريبة على السيارة، والرسوم الجماعية التي من المفترض أن تشمل تنظيم السير والجولان، وتوفير فضاءات وقوف آمنة ومنظمة، وهو ما يجعل من فرض رسوم إضافية من طرف حراس السيارات نوعًا من الازدواج الضريبي غير المبرر، ويطرح تساؤلات حول مدى عدالة هذا الوضع واستمراره.
وتساءلت النائبة البرلمانية عن الضمانات التي وفرتها الوزارة لتنظيم مهنة حراسة السيارات في مدينة الدار البيضاء، بما يضمن مجانية هذه الخدمة، وحماية المواطن ويضع حدًا للفوضى السائدة في هذا المجال، بالإضافة عن التدابير التي ستتخذها الوزارة الوصية لتوفير وسائل رقابة فعلية على هذه المهنة.
وفي الوقت الذي يُنتظر فيه من دفتر التحملات الجديد الخاص بتنظيم حراسة السيارات أن يُعيد ترتيب هذا القطاع ويُنهي العشوائية التي تُرافقه، لا تزال حالة من التوجس تسود أوساط البيضاويين، الذين يتخوفون من أن يتحول تقنين المهنة إلى غطاء قانوني لممارسات الابتزاز السابقة، لا سيما مع اقتراب فصل الصيف وارتفاع وتيرة التنقل والترفيه، خاصة في المناطق الساحلية كعين الذئاب.
ويُحذّر المواطنون من إمكانية تصاعد الأسعار خلال عطلة نهاية الأسبوع دون حسيب أو رقيب، معبرين عن شكوكهم في قدرة المجلس الجماعي على مراقبة كل النقاط التي تعرف استغلالًا عشوائيًا للملك العمومي.
وتناقل عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا في مجموعات محلية على فيسبوك، تدوينات تُندد بما وصفوه بشرعنة الابتزاز، مطالبين بتفعيل صارم لبنود دفتر التحملات وضمان تطبيقه على أرض الواقع.
كما طالبوا بضرورة المراقبة الصارمة وتوفير آليات تبليغ فعالة، تتيح للمواطنين الإبلاغ عن التجاوزات بشكل فوري وموثق.
وبحسب مصادر مطلعة للجريدة 24، فإن من بين أبرز المقترحات التي طُرحت داخل مجلس جماعة الدار البيضاء لتأطير نشاط الحراسة، تحديد تسعيرة تتراوح ما بين 3 و5 دراهم لحراسة السيارة، وهي تسعيرة ينتظر أن تُحسم رسميًا من خلال القرار الجبائي المقبل.
وتُجرى مناقشات داخل المجلس حول كيفية تحقيق توازن بين ضمان سعر عادل لا يُثقل كاهل المواطن، وبين الحد من الممارسات غير القانونية التي لطالما شابت القطاع.
وكان مجلس جماعة الدار البيضاء قد صادق خلال دورة ماي العادية على دفتر تحملات جديد ينظم استغلال الملك العمومي الخاص بحراسة السيارات والدراجات، في خطوة تنظيمية وُصفت بالكبرى، تهدف إلى إعادة هيكلة هذا النشاط الذي ظل لسنوات طويلة خارج أي إطار قانوني أو جبائي.
ويُراهن على هذا الإصلاح للحد من شعور المواطنين بالاستغلال، ولتوفير مواقف منظمة وشفافة تخضع لمعايير مضبوطة.
ويُحدد دفتر التحملات الجديد شروطًا دقيقة للحصول على رخصة الحراسة، من بينها الانتماء للمقاطعة المعنية، وتقديم وثائق تثبت الوضعية الاجتماعية وعدم الشغل، مع إعطاء الأولوية للأرامل والمعيلين الوحيدين وذوي الاحتياجات الخاصة، ما يعكس توجهًا اجتماعيًا واضحًا في منح الرخص.
كما تم منع أصحاب العقارات من الاستفادة، واعتُبر الحراس السابقون المستوفون للشروط من ضمن الفئات التي يحق لها الاستمرار في النشاط وفق النظام الجديد.
ولتفادي التجاوزات، ينص الدفتر على التزام الحارس بارتداء زي موحد يحمل اسمه ورقم رخصته، واحترام المسافة القانونية المحددة بين كل نقطة حراسة وأخرى، مع منع فرض رسوم خارج التسعيرة الرسمية أو الدخول في مشادات مع المواطنين.
كما شدد على ضرورة تعليق الرخصة في مكان بارز، ومنع مزاولة أي نشاط آخر مثل غسل السيارات أو بيع السلع، إضافة إلى احترام الأداءات الجبائية.
وفي تصريحها عقب المصادقة، أكدت عمدة الدار البيضاء نبيلة الرميلي أن هذا القرار جاء استجابة مباشرة لشكاوى المواطنين التي توصلت بها مصالح الجماعة خلال الأشهر الماضية، معتبرة أن الجماعة تسير نحو أول تقنين حقيقي وشفاف لمهنة حراسة السيارات.
وأعلنت عن إطلاق منصة إلكترونية جديدة تحت اسم "رخص"، تتيح للراغبين في مزاولة المهنة إيداع ملفاتهم بطريقة رقمية منظمة، واختيار المواقع المتاحة، باستثناء المناطق الخاضعة لنظام العدادات المعروفة بـ"لا زون بلو"، التي تُدبرها شركة "كازا بيئة".
وأوضحت العمدة أن دراسة الطلبات ستخضع لتقييم لجنة مختلطة تضم ممثلين عن الجماعة والسلطات الأمنية والمحلية، وستُفحص وفق معايير صارمة تضمن النزاهة وتفادي أي ممارسات تمييزية أو احتكارية، وذلك بهدف توزيع عادل للرخص يراعي الخريطة الاجتماعية للمدينة.
كما شددت على أن كل إخلال بشروط الاستغلال أو رفض الامتثال لبنود دفتر التحملات سيُعرض الحارس لسحب الترخيص بشكل مباشر ودون تهاون.