اليد العاملة المؤهلة تحت الضغط.. أوراش المغرب الكبرى ترفع الطلب على الكفاءات ومواد البناء

وسط دينامية غير مسبوقة، تشهدها مختلف جهات المملكة، يواصل المغرب تسريع وتيرة إنجاز مشاريع ضخمة ومتعددة القطاعات، استعدادًا لاحتضان تظاهرتين كرويتين من العيار الثقيل: كأس الأمم الإفريقية 2025، وكأس العالم لكرة القدم 2030، الذي سيُنظم بشراكة مع إسبانيا والبرتغال.
هذه الأوراش، التي تشمل البنية التحتية، والملاعب، والفنادق، والنقل، ليست مجرد استعدادات رياضية، بل تجسيد فعلي لتحول اقتصادي وتنموي شامل، يعيد رسم ملامح المغرب في أفق ما بعد 2030.
وكشف تقرير تحليلي حديث صادر عن شركة “Research and Markets” الإيرلندية، المتخصصة في دراسات السوق، عن مؤشرات إيجابية بشأن قطاع البناء في المغرب، متوقعًا نموًا بنسبة 3.9 في المئة خلال سنة 2025، على أن يستمر المنحى التصاعدي بمعدل 3.8 في المئة سنويًا ما بين 2026 و2029، مدفوعًا بتزايد الاستثمارات العمومية والخاصة، خاصة في مجالات الطاقة، البنية التحتية، والتشييد المؤسسي والسكني.
وأشار التقرير أيضًا إلى دور الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تعزيز هذا النمو، في ظل الانفتاح المتواصل الذي تشهده المملكة، وتحسين مناخ الأعمال، فضلا عن الحوافز الحكومية التي تدعم الشركات الوطنية والدولية العاملة في القطاع.
وفي هذا السياق، تحولت العديد من المدن المغربية إلى ورش مفتوح على مدار الساعة، حيث تتواصل الأشغال لتأهيل الملاعب الكبرى، لاستيعاب الجماهير وتوفير بيئة رياضية متكاملة.
بالتوازي، تشهد شبكة الطرق والسكك الحديدية توسعًا ملحوظًا، بهدف تسهيل تنقل الزوار والمنتخبات بين المدن المضيفة، وتوفير تجربة تنقل سلسة وآمنة. وتندرج هذه المشاريع ضمن خطة وطنية أشمل لتقوية البنية التحتية للنقل، بما في ذلك التوسعة الكبرى للطرق السيارة، وتحسين الربط الجهوي، وتعزيز خدمات القطارات السريعة “البراق”.
وكان قطاع البناء من أبرز المستفيدين من هذا الزخم التنموي، حيث ارتفع الطلب بشكل كبير على اليد العاملة، لا سيما في الحرف التقنية والهندسية.
ووفق تصريح حديث لوزير التجهيز والماء، نزار بركة، فقد ساهمت هذه الأوراش في خلق نحو 52 ألف فرصة شغل خلال الفصل الأول من سنة 2025، في مؤشر واضح على الأثر الإيجابي المباشر لهذه المشاريع على سوق العمل الوطني.
التحول لم يتوقف عند حدود البنية التحتية والملاعب، بل شمل أيضًا القطاع السياحي، الذي يشهد طفرة في الاستثمارات الفندقية والسياحية، مع إطلاق مشاريع جديدة تهدف إلى رفع الطاقة الاستيعابية الفندقية وتقديم خدمات ذات جودة عالية، تلبي تطلعات ملايين الزوار المنتظرين خلال هذه الفعاليات.
وتعززت هذه الدينامية بأرقام رسمية صادرة عن وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، والتي أفادت بأن مبيعات الإسمنت – المؤشر الحيوي لنشاط قطاع البناء – سجلت ارتفاعًا بنسبة 10.34 في المئة حتى نهاية أبريل 2025، حيث بلغت 4.52 مليون طن، من بينها 1.14 مليون طن في شهر أبريل فقط، بنسبة نمو تجاوزت 31.98 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
هذا النمو توزع على عدة أنشطة: الخرسانة الجاهزة، البناء، البنية التحتية، والملاط، ما يعكس حجم وتنوع الأوراش الجارية، ومدى انتشارها عبر التراب الوطني.
لكن رغم هذه الدينامية الإيجابية، يواجه القطاع بعض التحديات، أبرزها ندرة اليد العاملة المؤهلة، كما أشار محمد محبوب، رئيس الاتحاد الوطني للبناء والأشغال العمومية، في تصريحات إعلامية، مؤكدا أن تزامن إطلاق عدة مشاريع كبرى خلق ضغطًا غير مسبوقًا على الشركات، التي اضطرت إلى التنافس على استقطاب الكفاءات، مما أدى إلى ارتفاع الأجور وتأثر هوامش الربح، خاصة لدى المقاولات المتوسطة والصغرى.
وفي المقابل عرفت أسعار بعض أنواع الحديد المستخدم في البناء والأوراش الكبرى، مثل المسمار والسلك، شهدت ارتفاعًا يناهز 20% خلال الأشهر الأخيرة، مقارنة بالعام الماضي، نتيجة تزايد الطلب.
وبين الآمال والتحديات، يتفق المراقبون على أن احتضان المغرب لكأس العالم 2030 لا يُعد فقط فرصة رياضية، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا عميقًا في مسار التنمية، يُراهن عليه لبناء مغرب المستقبل، بمرافق حديثة، واقتصاد قوي، ومكانة متقدمة ضمن الأمم الصاعدة بثقة واستحقاق.