مدارس الريادة بالمغرب.. رهان الدولة الاجتماعية لبناء جيل جديد من المتعلمين

الكاتب : انس شريد

19 مايو 2025 - 06:30
الخط :

رسم رئيس الحكومة عزيز أخنوش ملامح تحول جذري تشهده المدرسة العمومية المغربية، مؤكداً أن إصلاح التعليم بات أحد الأركان الأساسية للدولة الاجتماعية، ومحوراً استراتيجياً ضمن الأولويات الوطنية.

وقد شدد أخنوش، في العرض الذي قدمه ضمن أشغال الجلسة الشهرية للأسئلة الشفوية الموجهة لرئيس الحكومة، اليوم الإثنين، على أن هذا الورش لا يندرج فقط في سياق برنامج حكومي مرحلي، بل يستند إلى توجيهات ملكية واضحة منذ خطاب العرش لسنة 1999، حين صنّف جلالة الملك محمد السادس، التعليم كثاني أولوية بعد الوحدة الترابية.

وأكد أخنوش أن حكومته، منذ تنصيبها، حرصت على الانتقال من التشخيص إلى الفعل، من خلال إطلاق عدد من المبادرات الميدانية، أبرزها خارطة طريق إصلاح التعليم 2022–2026، التي تمثل الإطار التنفيذي لتنزيل القانون الإطار 51.17.

وقد تمحورت هذه الخطة، وفقاً لكلمة رئيس الحكومة، حول ثلاث دعائم رئيسية: تحسين التعلمات، تعزيز كفاءة الأطر التربوية، وتوفير بيئة مدرسية دامجة وجذابة.

ورداً على سؤال يتعلق بمستوى الاستثمار العمومي في التعليم، أوضح عزيز أخنوش أن الميزانية المخصصة للقطاع ارتفعت من 68 مليار درهم سنة 2019 إلى أكثر من 85 مليار درهم سنة 2025، أي بزيادة قدرها 25%.

كما تم، وفقاً لما أكده، تعبئة موارد إضافية بقيمة 9.5 مليارات درهم سنوياً حتى عام 2027، خصصت بشكل مباشر لتحسين الوضعية المهنية والاجتماعية لنساء ورجال التعليم.

هذا المجهود المالي، حسب المتحدث ذاته، جاء تتويجاً لمسار حوار اجتماعي ناجح، أسفر عن نظام أساسي موحد عزز المكتسبات ورفع من وتيرة الاستقرار المهني داخل القطاع.

وفي سياق تشخيص وضعية المدرسة العمومية، أبرز أخنوش أن التقارير الدولية والوطنية أكدت هشاشة التعلمات الأساسية. فحسب دراسة PISA 2018، احتل المغرب المرتبة 75 من أصل 79 دولة، في حين كشف تقرير PNEA 2019 أن 70% من تلاميذ المستوى السادس الابتدائي لا يتحكمون في الحد الأدنى من الكفايات.

كما أشار إلى أن 300 ألف تلميذ يغادرون المنظومة التعليمية سنوياً منذ سنة 2016، ما يمثل نزيفاً خطيراً في رأس المال البشري الوطني.

وللخروج من هذه الأزمة، أكد رئيس الحكومة أن خارطة الطريق التي تقودها الحكومة جعلت من مشروع "مدارس الريادة" رافعة مركزية لاستعادة الثقة في المدرسة العمومية، فقد تم خلال الموسم الدراسي 2022–2023، إطلاق هذا البرنامج في 620 مؤسسة تعليمية، شملت أكثر من 330 ألف تلميذ.

ووفقا للمتحدث ذاته، فقد قد تم اعتماد مقاربة TARL (التعليم حسب المستوى المناسب) التي مكنت من تحسين مستوى التلاميذ بشكل ملحوظ: أربع مرات في الرياضيات، مرتين في اللغة العربية، وثلاث مرات في الفرنسية، بحسب ما صرح به أخنوش.

نجاح هذه التجربة شجع الحكومة، وفقاً لما أكده عزيز أخنوش، على توسيع نطاق مدارس الريادة ليشمل برسم الموسم الدراسي 2023–2024، ما مجموعه 2.626 مؤسسة ابتدائية، يستفيد منها 1.3 مليون تلميذ، أي حوالي 30% من مجموع تلاميذ التعليم الابتدائي بالمغرب.

كما تم إشراك 44 ألف أستاذ وأستاذة في هذه العملية، إلى جانب 560 مفتشاً و2.626 مديراً، وتم تجهيز 30 ألف قسم دراسي بمعدات رقمية حديثة، ما وفّر بيئة تعليمية متطورة تدعم التحول البيداغوجي، حسب ما أكده رئيس الحكومة.

وأشار أخنوش إلى أن نجاح مدارس الريادة في السلك الابتدائي لم يكن كافياً لوحده، بل اقتضى التوسع إلى سلك الإعدادي، الذي يشهد بدوره نسباً مرتفعة من الهدر المدرسي.

ومن هذا المنطلق، تم إطلاق برنامج "إعداديات الريادة" خلال سنة 2024، شمل 230 ثانوية إعدادية، واستفاد منه 200 ألف تلميذ.

ويرتكز هذا المشروع، وفقاً لرئيس الحكومة، على أربعة محاور أساسية: الدعم التربوي الفردي، المواكبة النفسية، إدماج الرقمنة، وتطوير القدرات المهنية للأساتذة.

ولتأمين هذا التحول النوعي، خصصت الحكومة، حسب أخنوش، غلافاً مالياً يصل إلى 200 ألف درهم سنوياً لكل مؤسسة إعدادية مشمولة بالبرنامج، وذلك لتهيئة الفضاءات، تأهيل البنيات التحتية، واقتناء المعدات الرقمية.

وحسب ذات المتحدث، فقد تم تكوين مديري المؤسسات في إعداد مشاريع المؤسسة، وتفعيل خلايا اليقظة، وتقييم الأداء بشكل دوري، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة.

وفي إطار تعزيز الالتقائية بين السياسات العمومية، أعلن عزيز أخنوش أن برامج الدعم الاجتماعي الموجهة للتعليم، مثل منح التمدرس، وتوسيع شبكة النقل المدرسي، وتعميم المطاعم الداخلية، أصبحت اليوم أكثر استهدافاً بفضل اعتماد السجل الاجتماعي الموحد، مما يضمن توجيه الدعم للفئات الأكثر هشاشة.

وختم رئيس الحكومة مداخلته بالتأكيد على أن ورش إصلاح التعليم لا يمكن أن يُختزل في التدابير التقنية أو الحسابات المالية، بل هو رهان سياسي ومجتمعي يتطلب تعبئة شاملة، وتكاملاً بين المركز والجهات، وانخراطاً فعلياً من جميع الفاعلين، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.

آخر الأخبار