شراكة دفاعية مغربية بريطانية ترسّخ دعم لندن للصحراء وتفتح آفاقا صناعية جديدة

في خطوة استراتيجية تعكس تصاعد منسوب الثقة بين الرباط ولندن، يستعد المغرب لاستفادة من خبرة بريطانيا في الجانب الدفاعي، في سياق إقليمي ودولي يتسم بتعزيز الموقف المغربي بشأن قضية الصحراء المغربي، وتراجع الخيارات الدبلوماسية لخصوم الوحدة الترابية، وعلى رأسهم الجزائر وجبهة البوليساريو.
وتأتي هذه الاتفاقيات المنتظرة بعد الزيارة الرسمية التي قام بها وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إلى الرباط في الثاني من يونيو الجاري، حيث عبّر بشكل واضح عن دعم بلاده لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحل جاد وواقعي للنزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية، واصفًا إياها بأنها “ذات مصداقية وقابلة للتطبيق”.
هذا الموقف السياسي البريطاني تُرجم عمليًا، وفقًا لتقارير إعلامية ذات الشأن العسكري، من خلال توقيع سلسلة من مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون الدفاعي بين الرباط ولندن، أبرزها توقيع اتفاق بين إدارة الدفاع الوطني المغربية وشركة BAE Systems البريطانية، وهي من أكبر شركات الصناعات الدفاعية في العالم.
وتُنتج هذه الشركة أنظمة متطورة تدخل في صناعة طائرات F-16 والأباتشي، والغواصات والأنظمة الإلكترونية والتسليحية، ما يعكس الأهمية الاستراتيجية لهذا التعاون.
التقارير ذاتها أشارت إلى أن الاتفاقية تشمل تطوير القدرات الصناعية الدفاعية للمغرب، خاصة في مجال إنتاج مكونات الطائرات العسكرية محليًا، وذلك في إطار مشروع متكامل يروم تعزيز السيادة الصناعية والتقنية للمملكة.
ويُتوقع أن تفتح هذه الشراكة الباب أمام إنشاء وحدات إنتاجية ومراكز صيانة متقدمة داخل التراب المغربي، مما يتيح فرصًا للاستثمار، ونقل التكنولوجيا، وتكوين الكفاءات المحلية.
كما تم، وفقًا لنفس المصادر، توقيع اتفاقية ثانية بين جمعية الصناعات الدفاعية والأمنية البريطانية (ADS Group) والوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، تهدف إلى إرساء أسس ترابط صناعي بين البلدين، وتوفير بيئة تشريعية واستثمارية مواتية لتطوير الصناعات العسكرية في المغرب.
وتشمل هذه الشراكة مجالات التعاون الصناعي، التكوين، الابتكار المشترك، فضلاً عن فتح آفاق لتصدير المنتوجات العسكرية نحو الأسواق الدولية.
وتندرج هذه الخطوات ضمن رؤية أوسع يعمل من خلالها المغرب على بناء منظومة صناعية دفاعية متكاملة، خاصة بعد الاتفاقيات الكبرى مع عدد من الدول أبرزها أمريكا.
البعد السياسي لهذه الشراكة لا يقل أهمية عن بعدها الصناعي، حيث تعكس الاتفاقيات تأكيدًا بريطانيًا جديدًا على دعم وحدة التراب المغربي، لا سيما مع إعلان مسؤولين بريطانيين نيتهم توجيه استثمارات مباشرة إلى الأقاليم الجنوبية، ما يُعد تطورًا نوعيًا في موقف لندن تجاه النزاع ويمنح الرباط ورقة إضافية في المعادلة الدبلوماسية الإقليمية.
ويرى مراقبون أن الاتفاقيات الأخيرة تمثل لحظة مفصلية في مسار العلاقات المغربية البريطانية، وتُشكّل قفزة نوعية من مستوى التعاون التقليدي إلى شراكة استراتيجية متقدمة في واحد من أكثر القطاعات حساسية، وهي التعاون الدفاعي.
كما تُجسد هذه الخطوة نجاح الدبلوماسية المغربية في تنويع شركائها وبناء تحالفات نوعية تعزز من استقلالية القرار الوطني، وتُكرّس المغرب كقوة صاعدة على المستويين الأمني والتقني.
ومع دخول شركات عالمية بحجم BAE Systems على خط الاستثمار في الصناعات الدفاعية المغربية، يقترب المغرب أكثر من هدفه الاستراتيجي المتمثل في بناء قاعدة تصنيع عسكري ذات استقلالية، تُسهم في تقوية جاهزيته الدفاعية وتعزيز أمنه القومي، وتفتح آفاقًا واعدة لنمو اقتصادي قائم على الابتكار ونقل التكنولوجيا.
بهذه الدينامية، لا تكتفي الرباط بتحقيق مكاسب دبلوماسية في ملف الصحراء، بل تسير بخطى واثقة نحو ترسيخ نموذج صناعي سيادي يربط بين الأمن والتنمية، ويضع المملكة في مصاف الدول الصاعدة في الصناعات الدفاعية.