84 مدينة في قلب مخطط النقل الحضري الجديد.. المغرب يراهن على تقليص الفوارق المجالية

في ظل الدينامية الكبرى التي يشهدها المغرب استعدادًا لاحتضان كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال، تواصل المملكة ورشها الوطني لتأهيل البنية التحتية، وفي مقدمتها تحديث منظومة النقل الحضري عبر الحافلات، بهدف تقليص الفوارق المجالية بين المدن وتقديم خدمات نقل عمومي تتماشى مع المعايير الدولية.
هذا الورش يأتي في وقت حساس تتجه فيه الأنظار إلى قدرة المغرب على رفع تحديات التنظيم والتنقل والبنية التحتية، بما يعكس صورة بلد عصري وقادر على مواكبة التظاهرات الكبرى.
ويمثل البرنامج الوطني الجديد للنقل الحضري بالحافلات للفترة ما بين 2025 و2029 تحولا استراتيجيا في مجال النقل، حيث أعلنت وزارة الداخلية عن إطلاقه بكلفة إجمالية قدرها 11 مليار درهم، ويرتقب أن يغطي 84 مدينة وتكتلا عمرانيا، من خلال اقتناء 3746 حافلة عصرية مجهزة بأنظمة حديثة للتذاكر والمراقبة وإعلام المرتفقين، إلى جانب إنشاء مراكز صيانة ومستودعات ومحطات انتظار وفق مواصفات دقيقة.
وكشف وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، مؤخرا أمام مجلس النواب، أن هذا البرنامج يشكل قطيعة مع التجارب السابقة من حيث اعتماد نموذج جديد يقوم على الفصل بين الاستثمار والتدبير، مع تحميل السلطات المفوضة مسؤولية تأمين الاستثمار الكامل، إلى جانب اعتماد منصات رقمية لتتبع العقود وتحسين جودة الخدمات.
ولتنزيل هذا الورش، أكد لفتيت تم الشروع في مراحل التنفيذ الثلاث، حيث تشمل المرحلة الأولى ست سلطات مفوضة، تغطي 23 مدينة وتكتلًا عمرانيا، وتم فيها الإعلان عن طلبات العروض الخاصة بالإشراف التقني على المشروع في مدن مراكش وأكادير وطنجة وتطوان وفاس وبنسليمان، مع تعيين مكاتب الدراسات المتخصصة في أربع مدن كبرى.
كما تم التوقيع، حسب المتحدث ذاته، على اتفاقيات مالية تضمن مساهمة الجهات بنسبة الثلث، مقابل ثلثين يمولهما صندوق مواكبة إصلاحات النقل الحضري، مع رفع المساهمة السنوية للداخلية والمالية إلى 3 مليارات درهم سنويًا بدل مليارين، بما يعزز الاستمرارية والفعالية.
في هذا الإطار، وفقا للمتحدث ذاته، تم الإعلان عن صفقات اقتناء 1317 حافلة، وأسفرت النتائج الأولية عن فوز شركات بصفقات توريد 968 حافلة، أي بنسبة إنجاز بلغت 73%، بينما سيتم إعادة طرح طلبات العروض لتغطية الحافلات المتبقية والبالغة 349 وحدة، بسبب عدم توفر عروض مؤهلة أو استيفائها للشروط التقنية والمالية.
كما تم الشروع في طلبات العروض المرتبطة بأنظمة التذاكر والمساعدة على الاستغلال، والتي يُنتظر أن يتم الإعلان عن نتائجها قبل منتصف الشهر الجاري، ما يعكس حركية كبيرة في إخراج البرنامج إلى حيز التنفيذ الفعلي.
المرحلة الثانية من البرنامج، وفقا لوزير الداخلية، تمتد على سنتي 2025 و2026، وتخص 18 سلطة مفوضة ستغطي 24 مدينة وتكتلا عمرانيا، حيث تم الانتهاء من إعداد ملفات الاستشارات الخاصة بالمقاولات المشرفة على التنفيذ، وإرسالها إلى الجهات المعنية للإعلان عن العروض، إلى جانب تحضير صفقات اقتناء 827 حافلة جديدة، واستكمال الإجراءات الإدارية لتعيين الشركات المفوض لها تدبير المرفق العمومي.
أما المرحلة الثالثة، فقد أكد لفتيت أنها ستنطلق بين سنتي 2027 و2029، فستهم 13 سلطة مفوضة وتشمل تغطية 37 مدينة إضافية، في وقت سيتم فيه إطلاق الصفقات تدريجيا حسب آجال انتهاء العقود القديمة، وذلك لضمان الانتقال السلس من الأنظمة الحالية إلى النموذج الجديد.
هذا البرنامج الطموح يعكس رؤية شمولية لدى الدولة في معالجة معضلة الفوارق المجالية داخل المدن المغربية، خصوصًا على مستوى النقل الحضري، الذي يعد أحد أبرز مظاهر التفاوت الاجتماعي والمجالي.
كما أن تعزيز أسطول الحافلات بأعداد كبيرة وتوزيعها العادل بين المناطق يضع حدا لمظاهر التهميش التي كانت تعاني منها مدن ومراكز حضرية عديدة، خاصة في الأطراف والمناطق الأقل استفادة من مشاريع التنمية الحضرية في العقود الماضية.
وبينما تراهن الحكومة على إنجاح هذا الورش لضمان تنقل مريح وفعال للمواطنين والسياح وضيوف التظاهرات الكبرى، تبرز تحديات عديدة في مسار التنفيذ، أبرزها احترام آجال الإنجاز، وضمان الجودة في توريد المعدات والخدمات، وتعزيز المراقبة والشفافية في تدبير الصفقات العمومية، وهي عناصر حاسمة لإنجاح المشروع الوطني للنقل الحضري، وجعله نموذجًا يمكن تعميمه مستقبلاً في باقي الخدمات الأساسية التي تمس الحياة اليومية للمواطن المغربي.