إعلانات بلا رقيب ومنتجات بلا معايير.. هل يتجه المغرب للحد من “الاحتيال التسويقي”؟

الكاتب : انس شريد

17 يونيو 2025 - 10:00
الخط :

تشهد التجارة الإلكترونية في المغرب طفرة نوعية غير مسبوقة، بعدما تحوّلت إلى خيار اقتصادي حقيقي أمام الآلاف من الشباب الباحثين عن فرص بديلة في ظل واقع اقتصادي ضاغط، وارتفاع معدلات البطالة، وتقلّص آفاق التشغيل الكلاسيكي.

وأفرز هذا التوجه الرقمي بيئة تجارية موازية تنمو خارج الأطر التقليدية، مستفيدة من تسارع وتيرة التحول التكنولوجي، وتوسع رقعة استعمال الهواتف الذكية، ومنصات التواصل الاجتماعي التي باتت واجهات رئيسية للعرض والتسويق.

إلا أن هذه الدينامية الجديدة، ورغم ما تحمله من إمكانات واعدة، لم تكن بمنأى عن تحديات حقيقية تتعلق أساسًا بانفلات الإشهار الإلكتروني من الضوابط القانونية والأخلاقية، وظهور موجة متزايدة من المحتويات المضللة، التي تستهدف المستهلك المغربي في صحته وجيبه، عبر ترويج سلع ومنتجات لا تخضع لأية رقابة، ولا تستند إلى معايير علمية أو تجارية معترف بها.

في هذا السياق، كشف عمر حجيرة، كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية، عن توجه حكومي لإعداد مشروع قانون جديد يروم وضع حد للفوضى التي تعرفها الإشهارات على منصات التواصل، لا سيما تلك التي تستغل الثقة الرقمية لبث مغالطات واحتيال تسويقي متعمد.

وأكد المسؤول الحكومي، خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب، أن الإشهارات المضللة أصبحت ظاهرة مقلقة تستوجب تدخلاً تشريعيًا فوريًا، لكونها تتسبب في إغراء المستهلكين باقتناء منتجات لا تتطابق مع ما يتم الترويج له، مشيرًا إلى أن أغلب هذه الإعلانات تبث دون أي مراقبة أو ترخيص.

وأوضح حجيرة أن عدداً من المؤثرين الرقميين باتوا يروّجون لمنتجات غذائية، صحية، تجميلية، بل وحتى إلكترونية، دون أدنى مراعاة للمعايير الأخلاقية أو العلمية، ما يشكّل خطرًا مباشرًا على صحة المواطنين وسلامتهم الاقتصادية.

وأشار إلى أن مشروع القانون المنتظر سيضع حزمة من الضوابط الصارمة، تفرض على المعلنين الالتزام بالشفافية والدقة في تقديم المعلومات، مع التنصيص على عقوبات تشمل الغرامات المالية والحظر التام لبعض المواد الإعلانية التي تخرق المقتضيات القانونية الجديدة.

من جهة أخرى، وفي ما يتعلق بحماية السوق الوطنية من تسرب السلع المغشوشة أو غير المطابقة للمعايير، أفاد حجيرة أن مصالح المراقبة المكلفة بالتدقيق في الواردات، تمكنت خلال العام الماضي من معالجة أكثر من 130 ألف ملف استيراد، أسفرت عن منع دخول أزيد من 10 آلاف و400 طن من السلع غير المطابقة، وهو ما يعادل أكثر من ألف حالة مسجلة لعدم الامتثال، في مؤشر واضح على تعزيز الرقابة في المعابر التجارية وميناءات المملكة.

ويُرتقب أن يُحدث مشروع القانون الجديد نقاشًا عموميًا ومؤسساتيًا واسعًا حول مستقبل التجارة الإلكترونية في المغرب، وحول حدود التأثير الذي يمكن أن يُمارسه المؤثرون في توجيه خيارات المستهلكين، في ظل غياب آليات تأطير قانوني فعّال.

كما سيُعيد الجدل حول توازن مطلوب بين حرية التسويق والابتكار، وبين ضرورة فرض مسؤولية قانونية على كل من يروّج لمحتوى إشهاري، سواء كان شخصًا طبيعيًا أو معنويًا.

وفي الوقت الذي تواصل فيه التجارة الرقمية فرض حضورها في المشهد الاقتصادي الوطني، يجد المغرب نفسه أمام ضرورة عاجلة لتأهيل الإطار التشريعي بما يواكب التحولات الرقمية المتسارعة، ويؤمن للمستهلك بيئة آمنة، مبنية على الثقة والمصداقية، وعلى ضمانات قانونية واضحة تمنع الاستغلال وتحد من الممارسات التضليلية، التي تشوش على جودة السوق وتشكل خطرًا على صحة وسلامة المواطنين.

آخر الأخبار