التدخين ينتشر بين القاصرين والبرلمان يسعى لتفعيل قانون ظل مجمدا منذ سنوات

في ظل ارتفاع الأصوات المطالبة بتكثيف الجهود للحد من المخاطر الصحية التي يفرضها التدخين، خاصة بين القاصرين والشباب، عاد الملف إلى واجهة النقاش التشريعي بالمغرب، بعد سنوات من الجمود التشريعي والتنظيمي الذي رافق القانون رقم 15-91 المتعلق بمنع التدخين في بعض الأماكن العامة.
وفي هذا الصدد، أطلق فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب مبادرة تشريعية جديدة تهدف إلى تطويق هذه الظاهرة التي باتت تهدد الصحة العامة، خصوصاً لدى الفئات الهشة والأكثر عرضة للتأثر.
وتشير معطيات رسمية إلى أن زهاء نصف مليون طفل مغربي دون سن الثامنة عشرة أصبحوا مدمنين على التدخين، في مؤشر يسلّط الضوء على هشاشة البيئة الوقائية وغياب الحماية التشريعية الكافية، رغم مرور سنوات على صدور القانون رقم 15-91 المتعلق بمنع التدخين والدعاية له في بعض الأماكن.
وتقدم الفريق النيابي للكتاب، بمقترح قانون يرمي إلى تغيير وتتميم القانون السالف الذكر، في محاولة لإخراجه من حالة الجمود التي ظل يرزح تحتها منذ صدوره، بسبب غياب النصوص التنظيمية التي تسمح بتنفيذه على أرض الواقع.
وقد أوضحت النائبة البرلمانية نادية تهامي، خلال جلسة تشريعية عمومية عقدت يوم الثلاثاء، أن المقترح يأتي استجابة لحالة الطوارئ الصحية غير المُعلنة التي يفرضها اتساع رقعة التدخين، وانتقاله من سلوك فردي إلى ظاهرة اجتماعية تتفشى في المدارس والجامعات والفضاءات العمومية، ما يجعلها تمسّ مباشرة فئة اليافعين.
وقالت تهامي إن الحملات التحسيسية وحدها لم تعد كافية لوقف هذا المد التصاعدي، في ظل الإغراءات التسويقية للمنتجات التبغية، وضعف المراقبة في الأماكن العامة، وتراجع الدور الزجري للقانون.
وأضافت أن ما يزيد من خطورة الوضع هو أن التدخين لا يقتل فقط من يمارسه، بل يعرض من حوله إلى مخاطر صحية جسيمة، مشيرة إلى أن التدخين السلبي يُصيب أزيد من 40% من المغاربة، من بينهم نساء وأطفال لا حول لهم ولا قوة في حماية أنفسهم.
وساقت النائبة حججاً رقمية لتأكيد الحاجة الملحة إلى التدخل التشريعي، منها أن عدد المدخنين في المغرب يبلغ نحو ستة ملايين شخص، يمثل القاصرون بينهم نسبة غير هينة.
كما أن التدخين يُعد سبباً مباشراً في وفاة مدخن من أصل كل اثنين، وفق إحصائيات صحية دولية، في حين تُسجّل سنوياً حوالي ثمانية ملايين حالة وفاة عبر العالم بسبب التبغ.
وأشارت إلى أن السيجارة الواحدة تحتوي على أكثر من أربعة آلاف مادة كيميائية، بينها خمسون على الأقل مصنفة ضمن المواد المسرطنة، إضافة إلى النيكوتين وأول أوكسيد الكربون، مما يجعل التعرض لدخانها، حتى دون استهلاكها المباشر، تهديداً حقيقياً للصحة العامة.
وشددت تهامي على أن المقترح الجديد لا يكتفي بتحيين القانون، بل يهدف إلى تكريس منطق الردع وتوسيع نطاق منع التدخين ليشمل كل الفضاءات التي يقصدها العموم، لا سيما المؤسسات التعليمية، المراكز الثقافية، المرافق الصحية، وسائل النقل العمومي، الملاعب، ومحيط الإدارات العمومية.
كما أكدت أن الحماية القانونية لغير المدخنين يجب أن تُصبح أولوية في السياسة الصحية، وأن لا تترك الفضاءات المشتركة عرضة للعبث والاختناق الجماعي.
وتابعت أن فريقها يدعو إلى تضمين القانون المرتقب غرامات مالية صارمة، ونصوصاً تطبيقية واضحة، لضمان تفعيله على أرض الواقع، معتبرة أن العبرة ليست فقط بسن القوانين، بل بضمان أن تكون قابلة للتنفيذ والرصد والمتابعة.
كما حذرت من انتشار أنواع جديدة من التدخين بين الشباب، مثل الشيشة والسجائر الإلكترونية، التي تروج باعتبارها أقل ضرراً، رغم أن أبحاثاً حديثة أثبتت أن لها تأثيرات مشابهة، وقد تكون بوابة للانتقال إلى التدخين التقليدي.
واختتمت النائبة مداخلتها بالتأكيد على أن المقترح يرمي إلى سد الثغرات القانونية القائمة، والقطع مع سياسة التساهل أو التطبيع مع سلوك مدمر للصحة والاقتصاد.