احتقان بمجلس عين السبع بسبب سوء التدبير.. وغياب الرئيس يفجر أزمة داخلية

تشهد مقاطعة عين السبع بمدينة الدار البيضاء حالة من الغليان غير المسبوق، في ظل تصاعد الخلافات بين عدد من أعضاء المجلس ورئيس المقاطعة، وسط اتهامات متزايدة بوجود اختلالات خطيرة في التدبير الإداري والمالي، ما ينذر بأزمة مؤسساتية داخلية قد تؤثر سلبًا على مصالح الساكنة المحلية.
وفي مشهد أثار الكثير من علامات الاستفهام، غاب يوسف لحسينية، رئيس مجلس مقاطعة عين السبع، عن أشغال دورة يونيو 2025 التي عُقدت يوم أمس الثلاثاء، رغم كونه من دعا إلى عقدها، ودون تقديم أي مبرر رسمي لغيابه.
هذا التصرف، الذي وصفه عدد من الأعضاء بالغريب وغير المسؤول، فجر موجة من الانتقادات داخل المجلس، حيث عبّر منتخبون عن استيائهم من "اللامبالاة" التي باتت تطبع أداء الرئيس، معتبرين أن الغياب غير المبرر في لحظة مفصلية دليل على تهاون واضح في التعاطي مع شؤون المقاطعة.
وقد تولى كريم كلايبي، النائب الأول للرئيس، رئاسة الجلسة التي لم تُناقش خلالها النقطة الوحيدة المدرجة في جدول الأعمال، بسبب غياب ممثل وزارة الشباب والرياضة الذي كان مقررا أن يقدم عرضًا في الموضوع.
واعتبر الأعضاء الغاضبون أن ما جرى خلال هذه الدورة مؤشر مقلق على حالة التسيب الإداري، معبرين عن نيتهم اتخاذ خطوات تصعيدية خلال الأيام المقبلة إذا لم تتم الاستجابة الفورية لمطالبهم بإصلاح الوضع.
وتتزايد المخاوف وسط الرأي العام المحلي بشأن مستقبل المشاريع التنموية والخدمات العمومية بالمقاطعة، في وقت تتراكم فيه الشكوك حول طريقة تدبير ملفات كبرى، خاصة تلك المرتبطة بالمالية المحلية وبرامج الدعم الاجتماعي.
ويطالب المواطنون بتدخل الجهات الوصية لإعادة الانضباط المؤسساتي، وضمان حسن سير المرفق العمومي وفق ما ينص عليه القانون.
وتأتي هذه التوترات الداخلية بالتزامن مع الجدل المتصاعد حول عدد من المشاريع الكبرى التي تشهدها المقاطعة، وعلى رأسها مشروع كورنيش عين السبع، الذي خضع مؤخرًا لزيارة ميدانية قادها والي جهة الدار البيضاء - سطات محمد امهيدية، رفقة عامل عمالة عين السبع - الحي المحمدي محمد الطاوس، ورئيسة المجلس الجماعي للدار البيضاء نبيلة الرميلي. الزيارة كشفت، حسب مصادر مطلعة، عن اختلالات تقنية واضحة في تنفيذ المشروع، دفعت الجهات المسؤولة إلى إعلان رفضها الرسمي لاستلامه في صيغته الحالية، رغم بلوغ نسبة الأشغال 95 في المئة.
وتراوحت الملاحظات المسجلة بين ضعف جودة التشطيبات، وغياب مرافق أمنية وخدمات الحراسة، وخلل في تصميم ملعب كرة القدم، ما اعتُبر دليلا على سوء تدبير الورش من طرف المقاولة المكلفة، الأمر الذي جر انتقادات لاذعة لشركة "الدار البيضاء للتهيئة" المشرفة على المشروع.
وقدرت التكلفة الإجمالية للمشروع بحوالي 70 مليون درهم، لكن النتائج المحققة على الأرض، بحسب متابعين، لا تعكس لا حجم الاستثمار ولا الوعود المقدمة للساكنة، ما أثار موجة استياء عارمة عبّرت عنها منصات التواصل الاجتماعي، حيث وُصف المشروع بـ"الكورنيش المغشوش".
في السياق ذاته، لا يزال مشروع حديقة الحيوانات بعين السبع يراوح مكانه، رغم مرور أكثر من عقد على انطلاقه. وكان يُفترض أن يتحول إلى فضاء بيئي وسياحي بارز، غير أن تعثر الإنجاز وتعدد الملاحظات التقنية حالا دون افتتاحه إلى حدود اليوم.
وكشفت زيارة قامت بها اللجنة التقنية التابعة لمجلس المدينة عن اختلالات شملت غياب فضاءات مخصصة للعائلات، وضعف تجهيزات الجلوس والاستراحة، وملاحظات تتعلق برعاية الحيوانات، ما يطرح تساؤلات جدية حول مدى احترام المعايير الدولية المعتمدة في هذا النوع من المشاريع.
وقد وُجه إنذار رسمي إلى شركة "دريم فيلاج" المفوض لها تنفيذ الورش، في وقت تشير فيه المعطيات إلى أن عملية استقدام الحيوانات بلغت 80 في المئة، استعدادًا لمرحلة الحجر البيطري التي تسبق الافتتاح.
ورغم ذلك، يظل الموعد الفعلي لتسليم المشروع مفتوحًا على جميع الاحتمالات، في ظل غياب جدول زمني دقيق ومحدد.
تطورات الوضع دفعت النائبة البرلمانية لبنى الصغيري، عن فريق التقدم والاشتراكية، إلى توجيه سؤال كتابي إلى وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، بشأن ظروف إنجاز مشروع كورنيش عين السبع، الذي انتظرته ساكنة العاصمة الاقتصادية لأزيد من أربع سنوات، بعد أن خُصصت له ميزانية ضخمة وكان يُفترض أن يخرج في حلة تليق بمدينة بحجم الدار البيضاء، خاصة مع اقتراب تنظيم المملكة لكأس العالم 2030.
وأبرزت الصغيري، في سؤالها، أن إخراج المشروع بهذه الطريقة المشوهة والمخيبة للآمال، لا يرقى إلى التطلعات، ولا يعكس أي رؤية حضرية متكاملة، مطالبة بفتح تحقيق إداري وتقني لتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات، وضمان إعادة تهيئة المشروع بما يحفظ كرامة المدينة وسمعتها على الصعيدين الوطني والدولي.
وفي ظل هذه المعطيات المقلقة، يترقب الشارع البيضاوي تحركات ملموسة من الجهات المسؤولة، لتصحيح المسار، وضمان التسيير السليم للمرافق العمومية، بعيدًا عن التجاذبات والصراعات التي لا تخدم في النهاية إلا مزيدًا من التعثر التنموي، في واحدة من أكبر وأهم مقاطعات العاصمة الاقتصادية.