وجه فريق حزب الاستقلال بمجلس النواب، اليوم الأربعاء، انتقادات لاذعة ومباشرة إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، محمّلاً إياه مسؤولية ما وصفه بالتقصير الواضح في دعم الفلاحين والكسابة، في ظل أزمة خانقة ناجمة عن الظروف المناخية القاسية وسوء تدبير القطاع.
النقاش الحاد الذي شهدته لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، كشف مجددًا عن تصدعات كامنة داخل التحالف الحكومي، إذ لم يتردد ممثلو حزب الاستقلال، أحد أضلاع الحكومة، في رفع سقف النقد إلى مستويات غير مسبوقة، وسط دعوات متكررة لمراجعة شاملة لآليات الدعم الفلاحي وتوجيهه بشكل أكثر نجاعة وواقعية.
وكان النائب البرلماني عن حزب الاستقلال، خالد الشناق، أبرز من قاد هذا الهجوم، حين شدد على أن المخطط الأخضر، رغم النتائج التي حققها، ليس “قرآناً منزلاً”، بل يخضع للتقييم والنقاش والتعديل، مؤكداً أن دولاً مجاورة، مثل جنوب إسبانيا، تعيش نفس الإكراهات المناخية لكن وضعية فلاحتها وقطاعها الحيواني أفضل بكثير من المغرب.
ودعا الشناق بشكل صريح إلى حذف الفوائد عن القروض المقدمة للفلاحين، مبرزاً أن الوضعية المعيشية للكسابة في بعض المناطق، خاصة إقليم تارودانت، تزداد تدهوراً عاماً بعد عام، وأن الأرقام الوردية لا تعكس الواقع الميداني القاتم الذي يرزح تحته الفلاح الصغير والمتوسط.
النقاش داخل اللجنة لم يخلُ من مفاجآت، إذ فجّر الشناق قنبلة سياسية بتأكيده وجود اختلالات خطيرة في مسطرة صرف الإعانات الفلاحية، مشيراً إلى تغيير جذري طرأ على آلية التسبيق المعتمدة من طرف القرض الفلاحي، حيث تم رفع مدة الانتظار للحصول على الإعانة من ستة أشهر إلى سنتين، وتقليص نسبة التسبيق من 90 في المئة إلى 80 في المئة، فضلاً عن رفع معدل الفائدة بـ250 نقطة أساس، بالإضافة إلى ما يحدده بنك المغرب.
وزاد النائب الاستقلالي في كشف الخلل، بتأكيده أن الوزير الحالي هو من وقع القرار القاضي برفع مدة التوصل بالإعانات إلى موسمين فلاحيين، ما يعني، حسب قوله، أن الفلاح قد لا يرى دعم الدولة إلا بعد مرور وقت طويل، وهو ما يفرغ الدعم من مضمونه ويحرم الفلاح من إنقاذ نشاطه في الوقت المناسب.
وفي السياق ذاته، دعا النائب منصف الطوب، بدوره عن حزب الاستقلال، إلى إعفاء شامل للفلاحين الصغار والمتوسطين من الديون، مشيراً إلى أن معاناتهم تمتد لسبع سنوات متتالية دون انتعاش حقيقي.
كما طالب بإعادة النظر في منظومة الدعم برمتها، من خلال تبسيط المساطر الإدارية، وتوفير مواكبة تقنية شاملة للفلاحين، قبل وبعد الاستفادة، لضمان مردودية واقعية للبرامج الحكومية.
رد وزير الفلاحة، أحمد البواري، جاء محافظًا ومتحفظًا، إذ تفادى الدخول في “البوليميك” السياسي، ودافع عن ما اعتبره انسجامًا حكوميًا قويًا في التعاطي مع ملف الدعم الفلاحي، موضحاً أن توزيع الدعم يتم تحت إشراف السلطات المحلية ووفق عملية إحصاء دقيقة تشمل القطيع الوطني، بما فيه المعز والأبقار والإبل والأغنام.
وشدد البواري على أن عملية الإحصاء ستتم من قبل لجان مختلطة بإشراف الولاة والعمال، لضمان نجاعة صرف الدعم، مبرزاً أن الهدف هو إعادة بناء القطيع الوطني في مواجهة تداعيات الجفاف. كما وجه شكره لوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، والوزير المكلف بالميزانية فوزي لقجع، على ما وصفه بالانخراط القوي في تأمين الموارد المالية والإدارية اللازمة لتنزيل الدعم.
ويعيد الجدل الجديد داخل مجلس النواب إلى الأذهان الانتقادات السابقة التي وجهها حزب الاستقلال إلى الحكومة بخصوص ملف استيراد المواشي وتسويق اللحوم الحمراء.
فقبل أشهر فقط، وجّه الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، انتقادات صريحة لسياسة الحكومة في هذا المجال، مشيراً إلى أن كلفة دعم استيراد المواشي بلغت 13 مليار درهم.
في المقابل، نفى رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي هذه الأرقام، مؤكداً أن الكلفة الحقيقية لم تتجاوز 300 مليون درهم، في ما عُدّ حينها خلافًا صريحًا بين مكونات الأغلبية بشأن تدبير قطاع بالغ الحساسية، ويتعلق بشكل مباشر بالأمن الغذائي للمغاربة.
هذا التصعيد من حزب الاستقلال، الذي يقود واحدة من أهم الوزارات الحكومية في شخص نزار بركة، يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى تماسك الأغلبية وقدرتها على التنسيق الفعّال، خصوصًا في ملفات اجتماعية حساسة كالفلاحة، في وقت تعيش فيه البلاد ضغطًا كبيرًا على مستويات الأسعار والتزويد بالمواد الغذائية.
وفي ظل استمرار هذا النوع من الخلافات الداخلية، يبدو أن الحكومة مطالبة بإعادة ترتيب بيتها من الداخل، وضمان الانسجام بين خطابها العمومي ومواقف مكوناتها، تفاديًا لمزيد من التشويش على أداءها في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة.