خبراء: أمريكا تخلت عن منطق التقسيم.. ومجلس الأمن قد يعتمد مبادرة الحكم الذاتي في أكتوبر

الكاتب : انس شريد

21 يونيو 2025 - 08:30
الخط :

في مشهد سياسي وفكري اتسم بالوضوح والجرأة، شهدت مدينة العيون ندوة وطنية حول قضية الصحراء المغربية تحت عنوان "من شرعية التاريخ إلى رهانات المستقبل"، بحضور نخبة من السياسيين والخبراء والأكاديميين، ضمن دينامية جديدة يقودها مجلس المستشارين عبر مجموعته الموضوعاتية المؤقتة المكلّفة بتقديم الاستشارة في ملف الوحدة الترابية.

وشكلت المناسبة أرضية مفتوحة لنقاش عميق حول السياقات التاريخية والتطورات الجيوسياسية التي رافقت هذا النزاع، في ظل تحولات متسارعة يعرفها المشهد الدولي، وعلى رأسها إعادة تموقع الولايات المتحدة الأمريكية في الملف.

ولم يتردد عبد الصمد بلكبير، السياسي والأستاذ الجامعي المعروف بقراءاته التحليلية الجريئة، في تحميل الولايات المتحدة المسؤولية المباشرة عن نشأة مشكل الصحراء المغربية، معتبرا أن أصل الأزمة لا يعود إلى إسبانيا ولا فرنسا ولا حتى الجزائر، بل إلى تدخل أمريكي مبكر، تم من خلاله زرع بذور النزاع في منطقة استراتيجية كانت محوراً لصراع الرأسماليات الدولية.

واستعان بلكبير بمثل شعبي مغربي قائلاً: "اللي دارها بيديه يحلها بسنيه"، في إشارة إلى أن الدولة التي كانت وراء صناعة الأزمة، باتت اليوم، وتحت ضغط التحولات الجيوستراتيجية، مطالبة بالمساهمة الجادة في إنهائها.

واعتبر أن النزاع ليس وليد اليوم، بل تعود جذوره إلى مرحلة تأسيس الولايات المتحدة، حين كانت تطمح إلى خلق نفوذ خاص في المغرب، على غرار ما قامت به في الفلبين، مستغلّة حالة الفراغ التي كانت تعيشها المنطقة في بداية القرن العشرين.

وتحدث بلكبير عن خلفيات الاتفاق الثلاثي بين فرنسا وبريطانيا وإسبانيا سنة 1912 لحماية المغرب، معتبراً أن هذا الاتفاق كان محاولة استعجالية لمنع أمريكا من دخول المغرب بشكل مباشر.

مشيراً إلى أن واشنطن كانت شديدة الاهتمام بالمسألة المغربية، مذكرا بفكرة تأسيس كيان مصطنع في الصحراء باعتبارها مشروعاً أمريكياً قديماً هدفه ضبط التوازنات الإقليمية ومنافسة النفوذ الفرنسي.

مؤكداً أن نفس الدولة التي دعمت الانفصال سابقاً، باتت ترى اليوم في الوحدة والاستقرار مصلحة استراتيجية، وهو ما يفسر التحول التدريجي في الموقف الأمريكي.

وأوضح أن الولايات المتحدة أدركت، متأخرة، وأن عهد التقسيم كوسيلة للسيطرة بدأ يتراجع لصالح منطق التشبيك والشراكات، وهي المقاربة التي جسدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اعترافه بسيادة المغرب على صحرائه، في خطوة غير مسبوقة.

المداخلة الثانية، التي قدمها الموساوي العجلاوي، أبرزت الأبعاد القانونية والسياسية للنزاع، مشدداً على أن المغرب لا يفاوض على سيادته، وإنما يتعامل مع ملف الصحراء في إطار نزاع إقليمي مفروض عليه.

وأكد أن حضور المغرب في صحرائه مؤسس على ميثاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وأن مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحتها المملكة سنة 2007 باتت تمثل قاعدة الحل الممكن الوحيد، إذا ما تخلت الأطراف الأخرى عن منطق العرقلة.

واعتبر العجلاوي أن المجتمع الدولي، من خلال الزخم الدبلوماسي الداعم للمبادرة المغربية، بات اليوم على أعتاب حسم واضح، مرجحاً أن يتم اعتماد هذه المبادرة في مجلس الأمن خلال شهر أكتوبر المقبل، في حال لم تعارض روسيا أو الصين هذا التوجه.

كما أوضح أن المقترح المغربي لا يُعد "مخططاً"، بل "مبادرة" قائمة على تصور متكامل للحكم الذاتي ضمن السيادة المغربية، وهو ما يجعلها أكثر مرونة وجدية في نظر المنتظم الدولي.

وأكد أن المغرب، من خلال تاريخه الدبلوماسي والتزامه القانوني، بنى موقعاً قوياً داخل الأمم المتحدة، يجعل من مبادرته مرجعية لا يمكن القفز عليها. وتوقف عند وضعية بعثة المينورسو، معتبراً أنها فقدت دورها الأصلي، وأصبحت أداة سياسية دون مهمة واضحة، حيث لم يتم تجديد اختصاصاتها منذ سنوات، رغم محاولة إدماج مهمة جديدة تتعلق برصد التوترات الأمنية، لم تحظ بموافقة مجلس الأمن.

وخلص إلى أن هذه البعثة تحتاج إلى مراجعة عميقة، تواكب التحولات الواقعية والسياسية الجارية في الملف.

وشدد على أن ما يميز الطرح المغربي هو استناده إلى الأرض والناس والتاريخ، في مقابل خطاب الانفصال الذي يزداد انعزالاً وتراجعاً أمام منطق الواقعية الدولية.

وفي هذا الاتجاه، قدم الأستاذ أبو بكر الحمداني مداخلة قانونية حول المبادرة المغربية للحكم الذاتي، أكد فيها أنها تتماشى مع معايير القانون الدولي وتشكل حلاً عقلانياً، قائماً على اللامركزية الموسعة ضمن سيادة المغرب.

واعتبر أن المقترح المغربي يستوفي كل شروط الحل السياسي المقبول دولياً، لكونه يحقق التوازن بين السيادة والتنمية والمشاركة، مما يفسر تزايد الدعم الدولي له من مختلف القارات.

وتحدث الأستاذ عبد الفتاح التمسماني عن تطور المبادرة منذ طرحها سنة 2007، مؤكداً أنها تحولت من مجرد فكرة سياسية إلى خيار عملي يتجسد يومياً على أرض الواقع، من خلال المشاريع الكبرى التي تعرفها الأقاليم الجنوبية، ومشاركة الساكنة في إدارة شؤونها المحلية، ما جعل من النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية مرجعاً ناجحاً في اللامركزية داخل العالم العربي والإفريقي.

وكشفت الندوة، في مجملها، عن ملامح تحول حقيقي في تعاطي الدولة المغربية مع ملف الصحراء، من منطق الدفاع إلى منطق المبادرة، ومن دائرة النزاع إلى أفق الحل، وذلك في ظل تغيرات دولية تفرض مقاربات جديدة قائمة على الاستقرار، والوحدة، والمصالح المشتركة.

آخر الأخبار