صفقة مراحيض بـ20 مليون درهم تضع الرباط في قلب الجدل

الكاتب : انس شريد

21 يونيو 2025 - 10:00
الخط :

في إطار جهودها لتحسين الفضاءات العمومية وتعزيز البنية التحتية الحضرية، أطلق المجلس الجماعي للرباط مشروعا لإنشاء 11 مرحاضًا ذكيًا عموميًا بميزانية إجمالية تقدر بنحو 20 مليون درهم.

ويهدف المشروع الذي تقوده شركة الرباط للتهيئة، إلى توفير مراحيض نظيفة وعصرية في عدد من الفضاءات العمومية الحيوية بالمدينة، في محاولة لمعالجة إشكالية افتقار الرباط لهذا النوع من المرافق، والتي شكلت لسنوات طويلة موضوع انتقادات متكررة من طرف المواطنين والزوار.

ومن المرتقب حسب المعطيات المتداولة، أن يمتد المشروع على مدى شهرين من حيث التنفيذ، بينما ستتكفل الشركة نفسها بعملية صيانتها لمدة ثلاث سنوات، ضمن صفقة متكاملة تأمل من خلالها السلطات المحلية ضمان استمرارية جودة الخدمة المقدمة، والارتقاء بالمشهد الحضري للعاصمة.

هذه الخطوة تأتي في سياق التوجه العام نحو جعل الرباط مدينة أكثر انسجامًا مع متطلبات الحياة الحضرية العصرية، خصوصًا مع مساعي تعزيز مكانتها كعاصمة ثقافية وإدارية للمملكة، ومركز جذب للسياح والمستثمرين.

غير أن الإعلان عن هذا المشروع لم يمر مرور الكرام، إذ أثار موجة من الانتقادات القوية في الأوساط السياسية والإعلامية، بعد الكشف عن تفاصيل الكلفة المالية المرتفعة بشكل لافت.

وكان عمر الحياني، المستشار الجماعي عن فيدرالية اليسار بمجلس جماعة الرباط، من أوائل من أثاروا الموضوع للرأي العام، حيث وصف في تدوينة رسمية له المبلغ المخصص لكل مرحاض عمومي بـ"الصادم"، موضحًا أن الكلفة المعلنة تعادل حوالي 180 مليون سنتيم للمرحاض الواحد، وهو رقم يفوق بحسب تعبيره ثمن شقة فاخرة في حي الرياض، أحد أكثر أحياء العاصمة رفاهية.

وأشار الحياني في تدوينة له عبر صفحته على الفيسبوك إلى أن هذا الرقم يمثل فارقًا شاسعًا مقارنة بتجارب مماثلة داخل المغرب، خاصة ما أنجزته جماعة الدار البيضاء، التي تمكنت من إنشاء 60 مرحاضًا عموميًا بتكلفة لم تتجاوز 11 مليون درهم، بمعدل يقارب 185 ألف درهم للمرحاض الواحد فقط.

هذا التفاوت الكبير دفعه إلى التساؤل عن خلفيات هذا الفارق المالي الهائل، معتبرًا أن المشروع يفتقر إلى الشفافية الكافية، خصوصًا وأن الجهة المشرفة عليه، وهي شركة الرباط للتهيئة، تشتغل منذ سنوات تحت وصاية والي جهة الرباط ولا تخضع لرقابة المنتخبين، رغم إشرافها على ميزانيات ضخمة منذ 2014، بلغت حينها 9.4 مليارات درهم، في غياب معطيات رسمية حديثة حول مصاريفها الإجمالية.

ما زاد من حدة الانتقادات هو الشعور العام لدى جزء من المهتمين بالشأن المجتمعي بأن مشاريع من هذا النوع لا تزال تفتقر إلى الوضوح في كيفية تدبير المال العام، خاصة عندما يتعلق الأمر بمرافق أساسية تمثل ضرورة يومية للساكنة والزوار.

ووفق تدوينة المستشار الجماعي ذاته، فإن مطلب إنشاء مراحيض عمومية لم يكن وليد اللحظة، بل ظل مطلبًا مرفوعًا من قبل فيدرالية اليسار منذ أكثر من عشر سنوات، في محاولة لمعالجة هذا النقص الواضح في بنية الفضاءات الحضرية.

هذا الجدل يعيد إلى الواجهة النقاش المستمر حول تدبير الصفقات العمومية، وضرورة اعتماد معايير أكثر صرامة في ما يتعلق بشفافية الإنفاق، وضمان حق المواطنين في الاطلاع على تفاصيل المشاريع التي تُنجز بأموال دافعي الضرائب.

كما يسلط الضوء على الحاجة إلى تعزيز الرقابة على الشركات العمومية أو المختلطة التي تدبّر مشاريع حساسة على مستوى المدن الكبرى، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بمشاريع خدمية تمس الحياة اليومية للمواطنين بشكل مباشر.

آخر الأخبار