الدار البيضاء.. مقاطعات تغلي على وقع صراعات داخلية واتهامات بالاختلالات والتهميش

تشهد عدة مقاطعات تابعة لجماعة الدار البيضاء، خلال الأيام الأخيرة، حالة من التوتر المتصاعد، وسط مشهد سياسي محتقن تتخلله اتهامات متبادلة واختلالات مفترضة في التدبير الإداري والمالي، ما ينذر بأزمة مؤسساتية قد تعيق السير العادي للمجالس المنتخبة وتؤثر بشكل مباشر على مصالح المواطنين.
في مقاطعة عين الشق، لم تخلُ أشغال الدورة العادية لشهر يونيو 2025، التي احتضنها المركب الثقافي بسيدي معروف، من مظاهر التشنج، حيث تحولت جلسة المجلس إلى ساحة مواجهة كلامية بين مختلف المكونات السياسية.
واندلعت مواجهات كلامية حادة بين الأعضاء بعد توجيه انتقادات مباشرة للرئيس محمد شفيق ابن كيران، بخصوص ملفات اجتماعية حساسة، على رأسها طريقة تدبير ملاعب القرب، التي اتُّهمت جهات محددة باحتكارها بشكل غير مشروع، إضافة إلى تفويتات عقارية تمت، بحسب الأعضاء الغاضبين، دون الرجوع إلى مكونات المجلس أو اعتماد مساطر تشاركية شفافة.
الملف الصحي بدوره كان حاضرًا بقوة في النقاش، حيث أشار عدد من الأعضاء إلى ما وصفوه بـ"التهميش الصارخ" الذي تعانيه منطقة سيدي معروف، في ظل غياب مرافق صحية عمومية قادرة على تلبية الحاجيات المتزايدة للسكان، ما يضطرهم إلى التنقل لمسافات طويلة من أجل العلاج، ويكرّس الفوارق المجالية داخل العاصمة الاقتصادية.
وحاول رئيس المقاطعة، خلال الجلسة تهدئة الأجواء، معبرًا عن أسفه إزاء ما وصفه بـ"السلوكات غير المسؤولة" التي تعيق العمل المؤسساتي، داعيًا إلى احترام النقاش الديمقراطي وتغليب المصلحة العامة.
كما أبدى استعداده للتجاوب مع الملاحظات البناءة، مؤكدًا أن معالجة التراكمات تتطلب انخراطًا جماعيًا بعيدًا عن المزايدات السياسية.
غير أن هذا التوضيح لم يكن كافيًا لوقف موجة الغضب داخل القاعة، إذ عبّر عضو المجلس عادل شهيدي عن قلقه من "نقص بنيوي" في البنيات الرياضية داخل تراب المقاطعة، مشيرًا إلى أن ملاعب القرب المتوفرة لا تستجيب لتطلعات الشباب، وتُستغل في أحيان كثيرة لأغراض تجارية، في غياب تام للمراقبة والمحاسبة.
وطالب باعتماد دفتر تحمّلات شفاف يضمن عدالة توزيع الفضاءات العمومية ويقطع مع منطق الريع.
الانتقادات ذاتها تقاطعت مع مداخلة العضو عبد المجيد بنحنا، الذي اعتبر أن منطقة سيدي معروف لم تنل نصيبها من التنمية منذ إلحاقها بالمقاطعة سنة 2003، حيث لا تزال تعاني من هشاشة اجتماعية واضحة، وضعف في التجهيزات الأساسية، خاصة في القطاع الصحي، مشددًا على أن هذا التهميش الممنهج يتطلب تدخلًا عاجلًا من الجهات الوصية.
كما عرف الاجتماع خلافًا إضافيًا حول منهجية توثيق مداخلات الأعضاء، حيث احتج عدد منهم على عدم إدراج تصريحاتهم ضمن محاضر لجنتي الشؤون الاجتماعية والثقافية، واعتبروا ذلك "تلاعبًا غير مقبولًا" يُفرغ وثائق المجلس من دورها الرقابي، مطالبين بإسناد مهمة التوثيق لأطر مؤهلة تضمن الحياد والدقة والشفافية.
في السياق ذاته، تتصاعد حدة التوتر داخل مجلس مقاطعة عين السبع، بعد غياب الرئيس يوسف لحسينية عن أشغال دورة يونيو، رغم كونه من دعا إلى انعقادها.
غياب الرئيس دون تقديم أي مبرر رسمي فُسّر من طرف عدد من الأعضاء على أنه "استهتار بالمسؤولية" وتعبير عن ضعف التفاعل مع انتظارات الساكنة، ما فتح الباب أمام سلسلة من الانتقادات، وصلت حد المطالبة بفتح تحقيق داخلي حول عدد من الملفات التدبيرية.
ولم يقف الصراع عند هذا الحد، بل امتد إلى مقاطعة سيدي بليوط، التي تعرف منذ أسابيع غليانًا كبيرًا بين عدد من المستشارين ورئيسة المجلس، كنزة الشرايبي.
وتأزم الوضع بشكل غير مسبوق بعد دخول مجموعة من الأعضاء في اعتصام مفتوح داخل مقر المقاطعة، احتجاجًا على ما وصفوه بـ"تهميش متعمّد" لدورهم، و"انفراد مفضوح" باتخاذ القرارات المرتبطة بالمشاريع والميزانيات.
المعتصمون أكدوا، حسب ما توصلت به "الجريدة 24"، أنهم استنفدوا كافة قنوات الحوار والتواصل، وأن التسيير الحالي للمقاطعة يفتقر لأبسط قواعد الحكامة الجيدة.
كما اتهموا الرئيسة بتغييب مبدأ الشفافية وإقصاء المنتخبين من دائرة القرار، مطالبين بتدخل فوري من والي جهة الدار البيضاء سطات ووزارة الداخلية لفتح تحقيق شفاف في ما يجري.
فيما عرفت الدورة العادية لمجلس مقاطعة الحي الحسني بالدار البيضاء، المنعقدة مؤخرًا، توتراً واضحاً بين الأعضاء واحتجاجات من طرف عدد من التجار، تزامناً مع إدراج ملف هدم الأسواق الشعبية ضمن جدول أعمال الدورة، دون تقديم تصور شامل أو بدائل واضحة للمتضررين.
وعرفت الجلسة نقاشات ساخنة بين مكونات المجلس، حيث وجهت المعارضة انتقادات لاذعة للمكتب المسير، محملة إياه مسؤولية ما آل إليه وضع عدد من التجار، ومنددة بما اعتبرته "معالجة انتقائية" لملف الأسواق.
كما طالبت أطراف سياسية بضرورة مساءلة الجهات المسؤولة عن غياب البدائل، محذّرة من تنامي حالة الاحتقان الاجتماعي وسط المتضررين، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة والهشاشة.
وفي خضم النقاش، أعلن عدد من أعضاء المعارضة انسحابهم من أشغال الدورة، احتجاجاً على ما اعتبروه "عدم الجدية في التعاطي مع ملف حساس يمس المئات من الأسر".
في المقابل، عبّر رئيس المجلس الطاهر اليوسفي عن تفهمه الكامل لمطالب التجار، واصفاً احتجاجهم بـ"السلوك الحضاري"، مؤكداً استعداده للتواصل معهم واستقبالهم في أي وقت.
ومشدداً على أن المجلس يواصل جهوده لإيجاد حلول واقعية، بعيداً عن أي استغلال سياسي للملف.
وبينما تتزايد حدة الاحتقان داخل هذه المقاطعات، يتساءل عدد من المراقبين عن مستقبل العمل الجماعي في الدار البيضاء، في ظل استمرار التوترات السياسية والانقسامات الداخلية التي تهدد بعرقلة تنفيذ المشاريع التنموية وتعميق أزمة الثقة بين المواطن والمؤسسات المنتخبة.