إصلاح المؤسسات العمومية يشعل جدلا برلمانيا.. والوزيرة: الورش رهين بمشاورات معقدة

الكاتب : انس شريد

24 يونيو 2025 - 06:30
الخط :

أثار التأخر المقلق في تنفيذ ورش إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية في المغرب موجة انتقادات متزايدة داخل قبة البرلمان، في وقت يعتبر فيه هذا الإصلاح من بين الأوراش الكبرى التي دعا إليها الملك محمد السادس منذ سنوات، والتي تعوّل عليها الدولة لتحويل القطاع من عبء مزمن على المالية العمومية إلى رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وخلال اجتماع لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب، عبّر عدد من النواب عن قلقهم إزاء ما وصفوه بـ"الجمود المقلق" في تنزيل التزامات الإصلاح، مسجلين بطء الحكومة في إصدار النصوص التشريعية والتنظيمية، وضعف الحصيلة فيما يخص تصفية المؤسسات غير الفعالة وتحويل بعضها إلى شركات مساهمة، إضافة إلى غياب الشفافية المالية والتأخر في تفعيل الهيئات المؤطرة لهذا التحول البنيوي.

ووصف البرلماني حسن لشكر عن الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، التأخر الحاصل بـ"المقلق"، مشيراً إلى أن ورش الإصلاح انطلق فعليًا منذ سنة 2016 من خلال تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، وتسارع إيقاعه بعد الخطاب الملكي لسنة 2020، إلا أن النتائج لا تزال دون التطلعات.

وكشف أن 42 في المائة فقط من النصوص القانونية والتنظيمية المرتبطة بالإصلاح صدرت، فيما لم يتم تحويل أي مؤسسة عمومية إلى شركة مساهمة، كما أن وتيرة تصفية المؤسسات غير المجدية بطيئة للغاية، إذ لم تتجاوز 19 مؤسسة من أصل 81 المعنية.

وسجّل المتحدث ذاته أن غياب الأجندة الزمنية والشفافية في المعطيات المالية يعرقلان فعالية الإصلاح، مشيرًا إلى عدم توفر خارطة طريق واضحة أو مؤشرات قابلة للتتبع، إضافة إلى الغموض الذي يكتنف كلفة الإصلاح وآليات تمويله، وهو ما يثير تساؤلات حول الجدية في الالتزام بهذا الورش.

ومن جهتها، اعتبرت النائبة البرلمانية إكرام الحناوي عن فريق التقدم والاشتراكية أن الحكومة فشلت في الوفاء بتعهداتها بهذا الخصوص، رغم تقديم نفسها على أنها "حكومة كفاءات".

وسجلت أن الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية لا تزال غير كافية، في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية وتراكم ديون تتجاوز 300 مليار درهم، مقابل مردودية ضعيفة، حيث تستفيد هذه المؤسسات من تحويلات سنوية تفوق 68 مليار درهم، ولا تدر على الخزينة سوى 18 مليار فقط.

وأبرزت الحناوي أن الإصلاح لا يجب أن يظل حبيس الأطر القانونية، بل ينبغي أن يشمل إعادة هيكلة شاملة للمحفظة العمومية التي تضم 271 مؤسسة ومقاولة عمومية، وخلق توازن مجالي في توزعها، بعد أن أظهرت المعطيات تمركزها بشكل كبير بين الرباط والدار البيضاء.

كما دعت إلى تطوير الحكامة الداخلية لهذه المؤسسات، من خلال تعميم المتصرفين المستقلين، وتفعيل لجان التتبع والتقييم، وتحقيق الشفافية في العلاقة المالية بين الدولة والمؤسسات.

الحكومة، من جانبها، حاولت الدفاع عن تقدم الأشغال، حيث أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي أن الإصلاح لا يزال في مراحله التكوينية، لكنه يحظى باهتمام دولي كبير، مشيرة إلى أن منظمات مثل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) والبنك الدولي تتابع التجربة المغربية باهتمام، بل وتسعى إلى تعميمها كنموذج على دول أخرى.

وأوضحت الوزيرة أن الحكومة تعمل على استكمال إخراج القوانين المتعلقة بالتصفية، والمراقبة المالية، والخوصصة، مشيرة إلى أن الورش يتطلب مشاورات معقدة مع مختلف الأطراف، وهو ما يبرر –حسب قولها– بطء التنفيذ.

وأوضحت الوزيرة أن اختيار هذه الحكومة لقيادة ورش إصلاح المؤسسات العمومية لم يكن محض صدفة، بل لأنه يستند إلى كفاءتها وقدرتها على تنفيذ مشروع بهذا التعقيد.

ولفتت إلى أن "كل سطر في القانون الإطار يقتضي مشاورات موسعة وأوراش متواصلة"، مشيرة إلى عقد ما بين 15 و20 اجتماعًا، إلى جانب اتصالات هاتفية مكثفة، مؤكدة أن نجاح هذا الإصلاح يستلزم رؤية موحدة حول تدبير المحفظة العمومية.

وأضافت أن الهدف من الهيكلة ليس فقط رفع الأرباح، بل تحقيق رؤية واضحة ومستدامة تُمكّن من ترشيد تدخل الدولة وتعزيز أثر السياسات العمومية.

لكن هذه التوضيحات لم تُقنع المعارضة التي شددت على أن التأخر بلغ مرحلة تفرض المساءلة السياسية، لا سيما في ظل استمرار الاختلالات البنيوية، واستنزاف المال العام دون أثر ملموس على الأرض.

ودعا نواب المعارضة إلى بلورة سياسة عمومية واضحة المعالم، قائمة على التقييم، والتتبع، والربط الفعلي للمسؤولية بالمحاسبة، كشرط أساسي لإنجاح هذا الورش الذي طال انتظاره.

ورغم تعدد المداخلات واختلاف الانتماءات السياسية، فقد بدا واضحًا أن هناك إجماعًا على أن استمرار التأخر في تفعيل إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية يشكل تهديدًا حقيقيًا لتوازنات المالية العمومية، وفرصة مهدورة أمام بناء نموذج تنموي فعال، قادر على خلق الثروة ومواكبة تحديات العدالة المجالية والعدالة الاجتماعية.

وبينما تتصاعد حدة الانتقادات، يبقى الرهان معلقًا على ما ستفعله الحكومة في ما تبقى من عمر الولاية، وهل ستنجح فعلا في الانتقال من مستوى الالتزام النظري إلى التفعيل الملموس على أرض الواقع.

آخر الأخبار