هذه وصفة الحكومة لحماية المغاربة من شبكات النصب الإلكتروني

في ظل تنامي ظاهرة النصب المالي عبر الإنترنت، التي أوقعت المئات من المواطنين في شراك منصات وهمية تعدهم بأرباح خيالية مقابل استثمارات مالية، تجد الحكومة المغربية نفسها أمام تحدٍّ متصاعد يفرض ضرورة تطوير أدوات فعالة للرصد والمراقبة، وضمان حماية المواطن من الوقوع في شباك المحتالين.
وفي هذا الصدد، كشفت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، عن اتخاذ مجموعة من الإجراءات المتقدمة، في مقدمتها إدماج أنظمة ذكاء اصطناعي حديثة قادرة على رصد العمليات المالية غير العادية بشكل استباقي، مما يسهم في كشف النشاطات المشبوهة في مراحلها الأولى، ويقلص من هامش المناورة لدى محترفي النصب الرقمي.
هذا التوجه يأتي في سياق جواب كتابي من الوزيرة، وجهته إلى النائبة البرلمانية لبنى الصغيري، التي أثارت من خلال سؤالها قضية تعرّض عدد كبير من المواطنين لعمليات نصب مالي ممنهجة عبر منصات إلكترونية تفتقر لأي سند قانوني أو شفافية.
وفي هذا الجواب، أوضحت المسؤولة الحكومية أن الحكومة لا تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الممارسات، بل تعبّئ أجهزة رقابية وأمنية مختصة لتتبع كل ما له صلة بالتحويلات البنكية المشبوهة، وذلك في إطار تنسيق وثيق بين المؤسسات المعنية، وفي مقدمتها الهيئة الوطنية لمعالجة المعلومات المالية، التي تضطلع بدور محوري في تلقي الإشعارات من البنوك والمؤسسات المالية، وتحليلها بشكل دقيق قبل إحالتها على الجهات القضائية المختصة.
وسجلت الوزيرة أن الحكومة عملت أيضًا على تحسين الإطار التشريعي المرتبط بمكافحة الجرائم المالية، من خلال مراجعة مجموعة من النصوص القانونية وتشديد العقوبات الزجرية في حق المتورطين في هذه الأنشطة غير المشروعة، ما يعكس رغبة صريحة في مواجهة الظاهرة بشكل حازم.
كما أوضحت في معرض جوابها أن هناك جهودًا موازية تُبذل على مستوى التوعية والتحسيس، من خلال تنظيم حملات إعلامية مكثفة تستهدف تحذير المواطنين من مخاطر الانخراط في مشاريع استثمارية مشبوهة تُروّج لها عبر الإنترنت، والتي غالبًا ما تعتمد على استدراج الضحايا من خلال وعود كاذبة بتحقيق أرباح يومية مرتفعة دون أي ضمانات حقيقية.
في المقابل، لم تغفل الوزيرة الحديث عن مشروع حكومي واعد يتمثل في تطوير منصة إلكترونية رسمية تتيح للمواطنين إمكانية التبليغ الفوري عن أي عملية احتيال مالي قد يتعرضون لها، وهو ما من شأنه تسريع وتيرة التدخل الأمني وتطويق الجريمة في مهدها.
كما يجري العمل بالتنسيق مع مزودي خدمات الإنترنت لتعقّب الحسابات الوهمية وحظرها بشكل مباشر، مما يعزز مستوى الحماية الإلكترونية ويقلل من انتشار هذه الظواهر الاحتيالية، وفقا لمضمون الجواب الكتابي.
ولم تفوّت المسؤولة الحكومية الفرصة دون دعوة المواطنين إلى توخي الحيطة والحذر من العروض الاستثمارية المغرية التي تروّج لها بعض الجهات غير المعروفة، مشددة على ضرورة التحقق المسبق من مصداقية الشركات والوسطاء قبل الإقدام على أي عملية مالية أو تحويل بنكي.
وفي السياق نفسه، نبّهت إلى أن التبليغ السريع عن أي نشاط مشبوه يشكل ركيزة أساسية في نجاح التصدي لهذه الممارسات، التي باتت تأخذ طابعًا عابرًا للحدود، مستغلة الفضاء الإلكتروني لإخفاء معالمها.
وكانت النائبة لبنى الصغيري قد أثارت في سؤالها البرلماني المخاوف المرتبطة بفعالية أجهزة الرقابة في تعقب التحويلات البنكية ذات الطابع الاحتيالي، مؤكدة أن الآلاف من المواطنين في مختلف مناطق البلاد وقعوا ضحية مشروع نصب رقمي مُحكم، قاده مجهولون استغلوا ضعف المراقبة، وأوهموا الضحايا بإمكانية تحقيق أرباح يومية مقابل استثمارات مالية، ليتفاجؤوا لاحقًا بتوقف المشروع واختفاء القائمين عليه بشكل مفاجئ.
وحذرت الصغيري من تكرار مثل هذه الوقائع التي تهدد الثقة العامة في المعاملات الإلكترونية، مطالبة بالكشف عن التدابير المتخذة لحماية المواطنات والمواطنين من تكرار نفس السيناريوهات.
ويأتي هذا النقاش في وقت أصبحت فيه الجرائم المالية عبر الإنترنت من بين أكثر التحديات الأمنية تعقيدًا، نظرًا لارتباطها بعوامل تقنية متقدمة، وانتشارها السريع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يستدعي تعزيز التنسيق بين جميع المتدخلين، ورفع جاهزية البنية التشريعية والتقنية لمواكبة هذا النوع من الجرائم التي لا تعترف بالحدود التقليدية.
كما يطرح الأمر تساؤلات عميقة حول مدى كفاية منظومة الحماية الرقمية بالمغرب، في ظل اتساع رقعة الضحايا، وظهور منصات جديدة بشكل متسارع يصعب رصده في الوقت المناسب.
وفي خضم هذه التحولات، تبرز الحاجة إلى شراكة أوثق بين المواطن والدولة، قوامها الوعي والتبليغ والثقة في المؤسسات، من أجل بيئة مالية رقمية أكثر أمانًا وشفافية، تحصّن المجتمع من الوقوع في فخاخ النصب التي باتت تنسج بخيوط رقمية دقيقة يصعب أحيانًا كشفها دون يقظة جماعية ويقظة مؤسساتية متقدمة.