توتر أمريكي–إسباني يعيد طرح سيناريو نقل قاعدة "روتا" إلى المغرب

الكاتب : انس شريد

27 يونيو 2025 - 10:00
الخط :

تتجه العلاقات المغربية الأمريكية نحو مزيد من التماسك الاستراتيجي، في ظل تصاعد مؤشرات التقارب السياسي والعسكري بين الرباط وواشنطن، بالتوازي مع توتر متزايد في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسبانيا، ما أعاد إلى الواجهة سيناريوهات إعادة تموقع الحضور العسكري الأمريكي جنوب أوروبا ونقله إلى دول أكثر استقرارًا وتوافقًا مع الرؤية الاستراتيجية لواشنطن، وعلى رأسها المغرب.

وتعيش العلاقات بين واشنطن ومدريد على وقع أزمة دبلوماسية حادة، أعقبت تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال قمة حلف شمال الأطلسي المنعقدة بلاهاي، وجّه فيها انتقادات شديدة إلى الحكومة الإسبانية، متهمًا إياها بالتقاعس عن الوفاء بالتزاماتها الدفاعية داخل الناتو، ومهددًا بفرض عقوبات تجارية مضاعفة، إذا لم تلتزم برفع ميزانية الدفاع إلى 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام بحلول عام 2035.

وقال ترامب، في مؤتمر صحفي خلال القمة، إن إسبانيا تمثل "البلد الوحيد الذي لا يدفع"، مضيفًا: "سنتفاوض معها بشكل مباشر، وسنجعلها تدفع الثمن مرتين في الاتفاقيات التجارية"، في موقف وصفه مراقبون بأنه تصعيد غير مسبوق في العلاقات بين البلدين، قد تكون له تبعات مباشرة على الشراكات الأمنية والعسكرية القائمة بين الطرفين.

وفي ظل هذا التصعيد، خرج مسؤولون أمريكيون للتعبير عن دعمهم الكامل لموقف ترامب، من بينهم الجنرال روبرت غرينواي، المدير السابق لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، الذي دعا إلى نقل القواعد العسكرية الأمريكية المتمركزة في جنوب إسبانيا إلى المغرب.

واعتبر أن الوقت قد حان لتحويل قاعدة "روتا" الجوية وقاعدة "مورون" نحو أراضٍ حليفة تتمتع بشروط أكبر من الاستقرار والمرونة الاستراتيجية.

ونشر غرينواي مقطعًا مصورًا لتصريحات ترامب خلال قمة الناتو، وعلّق عليه بدعوة صريحة إلى إغلاق القواعد الأمريكية في إسبانيا، ونقلها إلى المملكة المغربية، التي وصفها بالشريك الموثوق، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة أصبحت ضرورة في ظل المتغيرات الجيوسياسية الحالية.

ويُعد هذا التصريح جزءًا من سلسلة مواقف لمسؤولين أمريكيين سابقين يدعمون فكرة نقل القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) من أوروبا إلى المغرب، لأسباب تتعلق بالتموقع الجغرافي والجدوى الاستراتيجية.

وسبق لصحيفة "فايننشال تايمز" أن أشارت إلى تصاعد احتمال اتخاذ واشنطن قرارًا بنقل قاعدة "روتا" إلى بلد بديل، مع عودة محتملة لدونالد ترامب إلى سدة الحكم، خاصة في ظل مواقفه المنتقدة للحلفاء الأوروبيين وتأكيده المتكرر على ضرورة تقليص الاعتماد الأوروبي على المظلة الأمنية الأمريكية.

وحذرت الصحيفة من أن العودة المحتملة لترامب قد تقلب حسابات البنتاغون بشأن مستقبل هذه القاعدة، التي تُدار حاليًا تحت سيادة إسبانية مشتركة مع البحرية الأمريكية.

وبحسب ذات المصدر، فإن الوضع القانوني المعقد للقاعدة العسكرية في "روتا"، والقيود المفروضة على حركية القوات الأمريكية داخلها، قد يدفع وزارة الدفاع الأمريكية إلى البحث عن خيارات بديلة في دول تُوفر بيئة أكثر تحررًا واستقلالية، وهو ما يتوفر في المغرب الذي نجح خلال السنوات الأخيرة في ترسيخ موقعه كشريك استراتيجي موثوق لواشنطن في المنطقة.

ويأتي هذا النقاش في وقت تستضيف فيه المملكة المغربية سنويًا مناورات "الأسد الإفريقي"، المصنفة ضمن أكبر المناورات متعددة الجنسيات التي تنظمها القيادة العسكرية الأمريكية في القارة الإفريقية، ما يعكس حجم التنسيق العسكري القائم بين البلدين، ويعزز فرضية أن المغرب بات مؤهلاً لاستقبال وحدات أمريكية دائمة، ضمن إعادة توزيع الحضور العسكري الأمريكي خارج القارة الأوروبية.

ويُعد الموقع الجغرافي للمغرب عند تقاطع الطرق بين أوروبا وإفريقيا والأطلسي والمتوسط، إلى جانب استقراره السياسي ومتانة مؤسساته الأمنية، من أبرز عوامل الجذب التي تدفع صناع القرار في واشنطن إلى التفكير الجاد في توسيع الشراكة العسكرية مع الرباط، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة في عدد من مناطق العالم، وتزايد الحاجة إلى قواعد أكثر مرونة وقدرة على الاستجابة السريعة للتهديدات.

ويبلغ عدد القوات الأمريكية المتمركزة حاليًا في قاعدة "روتا" نحو 2800 عسكري، إلى جانب معدات عسكرية متطورة تُستخدم في عمليات المراقبة والدعم اللوجستي بالمتوسط وشمال إفريقيا. وقد تُصبح هذه الأصول ضمن أولى مراحل إعادة الانتشار في حال اتخاذ قرار رسمي بنقل القاعدة إلى المغرب، وهو احتمال بات أكثر واقعية في ظل المعطيات الميدانية والسياسية الراهنة.

وتؤشر كل هذه التطورات إلى أن المغرب بات في قلب الحسابات الاستراتيجية الأمريكية، سواء في ما يتعلق بالتموقع العسكري، أو في ما يخص الأدوار الجيوسياسية التي قد يلعبها في المرحلة المقبلة، وهو ما يعزز من موقعه كشريك إقليمي ذي وزن، قادر على استيعاب التحولات الطارئة على المشهد الأمني والدولي، والتفاعل معها في إطار من التنسيق الوثيق مع الحلفاء، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية.

آخر الأخبار