تدقيق مالي واسع في مقاطعات البيضاء.. وشبهات سوء التدبير تلوح في الأفق

الكاتب : انس شريد

27 يونيو 2025 - 10:30
الخط :

يستعد المجلس الجهوي للحسابات بجهة الدار البيضاء–سطات، ابتداء من فاتح يوليوز المقبل، للشروع في عمليات افتحاص واسعة تستهدف التدبير الإداري والمالي لعدد من المقاطعات التابعة لجماعة الدار البيضاء، في خطوة تندرج ضمن المهام الرقابية الموكولة للمجالس الجهوية للحسابات بموجب مدونة المحاكم المالية.

وتوصل رؤساء المقاطعات، خلال الأيام الماضية، بمراسلات رسمية من المجلس الجهوي للحسابات، تم تمريرها عبر المجلس الجماعي، تلزمهم بتجهيز ملفات ووثائق تهم المصاريف، الموارد، الصفقات العمومية، وتدبير المرافق المحلية، تمهيدًا لانطلاق عملية التدقيق التي يُنتظر أن تشمل جميع المقاطعات الـ16 المكونة للجماعة.

وتأتي هذه الخطوة في سياق يطغى عليه تزايد الضغط المجتمعي والسياسي بشأن اختلالات مفترضة في تدبير الشأن المحلي، وسط مطالب بربط حقيقي للمسؤولية بالمحاسبة، لا سيما بعد تسجيل مجموعة من المؤشرات السلبية المرتبطة بسوء تسيير بعض المقاطعات، وتأخر إنجاز مشاريع مهيكلة، أو ضعف الشفافية في تدبير النفقات العمومية.

وعلى خلفية هذا التحرك الرقابي، تفاعل عدد من المهتمين بالشأن السياسي والمجتمعي مع الموضوع من خلال تدوينات مكثفة على منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما على "فيسبوك"، حيث عبر العديد منهم عن دعمهم المطلق لخطوة المجلس الجهوي، مؤكدين أن الوقت قد حان لفتح الملفات الثقيلة التي راكمتها بعض المقاطعات، والتي تحوم حولها شبهات هدر المال العام وتضارب المصالح.

ودعا البعض إلى عدم الاقتصار على التدقيق الإداري والمالي، بل التوسّع إلى مراقبة سلوك المنتخبين وتوجهاتهم في التسيير، وربط ذلك بمستوى الخدمات المقدمة فعليًا للمواطنين.

وتتجه الأنظار بشكل خاص إلى بعض المقاطعات التي أثارت انتقادات متكررة في السابق، من قبيل سيدي بليوط، عين السبع، والمعاريف، حيث رُصدت مؤشرات توصف بغير المطمئنة بخصوص تدبير الصفقات، غياب الرقابة الداخلية، وضعف وثائق التتبع، وهو ما دفع ناشطين محليين والجهات المصطفة صفوف المعارضة إلى التنبيه، عبر منشوراتهم، إلى ضرورة توسيع دائرة الافتحاص لتشمل كل المقاطعات دون استثناء، تفاديًا لأي انتقائية قد تفرغ هذه الخطوة من مضمونها المؤسساتي.

وتعيش عين السبع وسيدي بليوط، على وقع الخصوص، حسب ما توصلت به "الجريدة 24"، حيث تتصاعد حدة التوتر داخل مجلس مقاطعة عين السبع، بعد غياب الرئيس يوسف لحسينية عن أشغال دورة يونيو، رغم كونه من دعا إلى انعقادها.

غياب الرئيس دون تقديم أي مبرر رسمي فُسّر من طرف عدد من الأعضاء على أنه "استهتار بالمسؤولية" وتعبير عن ضعف التفاعل مع انتظارات الساكنة، ما فتح الباب أمام سلسلة من الانتقادات، وصلت حد المطالبة بفتح تحقيق داخلي حول عدد من الملفات التدبيرية.

ولم يقف الصراع عند هذا الحد، بل امتد إلى مقاطعة سيدي بليوط، التي تعرف منذ أسابيع غليانًا كبيرًا بين عدد من المستشارين ورئيسة المجلس، كنزة الشرايبي.

وتأزم الوضع بشكل غير مسبوق بعد دخول مجموعة من الأعضاء في اعتصام مفتوح داخل مقر المقاطعة، احتجاجًا على ما وصفوه بـ"تهميش متعمّد" لدورهم، و"انفراد مفضوح" باتخاذ القرارات المرتبطة بالمشاريع والميزانيات.

ويندرج هذا التحرك بصفة عامة ضمن اختصاصات المجلس الجهوي للحسابات، الذي يُعهد إليه بمراقبة تدبير الجماعات الترابية، وفق مقتضيات القانون التنظيمي رقم 99-62، ويخول له فحص الميزانيات، تقييم شرعية وأداء الإنفاق العمومي، ورفع تقارير إلى الجهات العليا، قد تفضي إلى تفعيل المتابعة القضائية أو التأديبية في حالات الخروقات الجسيمة أو الفساد المالي.

الوثائق التي طُلب من المقاطعات إعدادها تشمل تفاصيل الميزانية السنوية، تبريرات المصاريف، تقارير الإنجاز، كشوفات الحسابات، وتوثيقات متعلقة بالموارد البشرية والتسيير اليومي، وهي العناصر التي ستخضع لقراءة دقيقة من قبل قضاة المجلس، على امتداد أسابيع، قبل أن يتم رفع خلاصة الملاحظات والتوصيات إلى المجلس الأعلى للحسابات ووزارة الداخلية.

ويأمل مهتمون بالشأن المحلي أن تسهم هذه العملية في تقوية آليات الشفافية والرقابة، وأن تشكل مناسبة لإعادة ترتيب أولويات التسيير المحلي، خصوصًا في مدينة بحجم الدار البيضاء، التي تمثل القلب الاقتصادي للمملكة، وتواجه تحديات كبيرة على مستوى الحكامة، البنية التحتية، وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وفي الوقت الذي يُنتظر أن تُنشر تقارير المجلس خلال الأشهر المقبلة، تبقى الأنظار مشدودة إلى ما إن كانت هذه العملية الرقابية ستمضي في اتجاه مساءلة حقيقية للمتورطين في سوء التدبير، أم أنها ستظل حبيسة التقارير الورقية والتوصيات غير الملزمة.

آخر الأخبار