هل الفوائد البنكية تتماشى مع الشريعة في النظام المصرفي المغربي؟

دخل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، على خط الجدل المتجدد حول الفوائد البنكية في المغرب، موضحًا الموقف الرسمي للحكومة من موضوع المالية التشاركية، وذلك خلال كلمته في افتتاح منتدى الاستقرار المالي الإسلامي الذي نظمته اليوم الخميس، كل من بنك المغرب ومجلس الخدمات المالية الإسلامية (IFSB) في العاصمة الرباط.
في هذا السياق، شدد التوفيق على أن التعامل بالفوائد في النظام المصرفي يجب أن يكون محكوماً بضوابط تحمي المتعاملين من أي شكل من أشكال الظلم أو الإجحاف.
وأكد أن المالية الإسلامية أو ما يُسمى بالبنوك التشاركية في المغرب أصبحت مقبولة بعد اجتهادات فقهيّة وتوجيهات علمية من المجلس العلمي الأعلى، الذي يعتبره التوفيق أساسًا لهذه القبولية.
المالية التشاركية في المغرب: شراكة بين الفقه والبنك المركزي
أوضح الوزير أن المالية التشاركية ليست سوى محاولة لتطبيق مبادئ الفقه الإسلامي على المعاملات المالية، حيث تم تبنيها محليًا مع مراعاة الاحتياطات اللازمة.
وأشار إلى أن هذه البنوك يجب ألا تُسمى "إسلامية" حتى لا يُفهم أن البنوك التقليدية الأخرى غير إسلامية.
وأكد التوفيق أن استخدام مصطلح "المالية التشاركية" كان خيارًا مقصودًا لضمان عدم انحصار التمويل في مجال معين، بل ليشمل كافة أنماط المعاملات المالية التي تتماشى مع الشريعة.
وعن دور المجلس العلمي الأعلى في تنظيم هذا القطاع، قال التوفيق: "المجلس العلمي الأعلى إلى جانب بنك المغرب كان له دور محوري في إنشاء إطار شرعي ينظم المالية التشاركية.
وتم هذا من خلال إصدار اللجنة الشرعية للمالية التشاركية 194 رأيًا فقهيًا في هذا الشأن"، وفقا لما أكده التوفيق.
وأضاف أن هذه اللجنة عقدت أكثر من 421 اجتماعًا علميًا، وناقشت 196 دراسة وبحثًا علميًا تناولت الجوانب القانونية والتطبيقات العملية لهذا النظام.
التعامل بالفوائد: إشراف ديني للحفاظ على العدالة
فيما يتعلق بمسألة "الفوائد البنكية"، أشار التوفيق إلى أن هذه المسألة تعتمد على التعاقدات بين الأطراف المعنية. وأكد أن الفوائد لا يجب أن تتحول إلى أداة للإجحاف أو الاستغلال.
وقال: "المقصد من القروض ليس مجرد الربح، بل رفع الظلم عن الناس، خصوصًا في المعاملات التي تمثل ضرورة اجتماعية للعديد من الأسر والمشروعات".
وتابع وزير الأوقاف، في هذا السياق، أن مفهوم القروض في البنوك التشاركية يُفهم من قبل العامة على أنه نظام مشاركة في الربح والخسارة، وهو ما يعكس محاولة للابتعاد عن الربا، وتحقيق مبدأ العدالة المالية.
وتابع أن الشريعة الإسلامية ترى في المال وسيلة لتحقيق الخير وإنفاقه في مشاريع ذات أثر إيجابي، لكنه في ذات الوقت قد يُستخدم في الفتنة أو للسيطرة، وهو ما يستدعي الحذر في التعامل معه.
المال في القرآن: وسيلة للخير أم أداة للفتنة؟
استعرض التوفيق مفهوم المال في القرآن، مشيرًا إلى أنه يُعتبر وسيلة حيوية لتحقيق الخير الاجتماعي والاقتصادي، إذ يعزز الإنفاق ويحرر الفرد من الشح، لكنه أيضًا قد يكون سببًا للفتنة إذا تم استخدامه بطرق غير مشروعة، لاسيما إذا تحولت الأموال إلى وسيلة للسيطرة على الناس أو استغلالهم.
وفيما يتعلق بتاريخ الجدال بين الشرق والغرب حول موضوع الفوائد البنكية والربا، قال التوفيق إن هذا الصراع كان في جزء منه ناتجًا عن مواقف سياسية وثقافية، حيث اعتبرت بعض التيارات في الشرق أن النظام البنكي الغربي هو "عدو" يجب مقاومته على جميع الأصعدة.
المستقبل: المالية التشاركية على أعتاب مرحلة جديدة
وفي ختام كلمته، أشار وزير الأوقاف إلى أن المالية التشاركية في المغرب تقف اليوم أمام مرحلة جديدة، مرحلة تسعى إلى رسم معالم خريطة طريق واضحة تدعم استدامة هذه النماذج المالية التي تحترم المبادئ الشرعية.
وتابع قائلاً: "الشعور السائد اليوم هو أننا أمام فرصة لإحداث تحولات في هذا المجال، رغم أن اسم 'المالية التشاركية' يظل محاطًا بحساسيات مرتبطة بالمباح والمحظور، والحلال والحرام".
وعلى الرغم من هذه الحساسية، فإن التوفيق أكد أن المغرب يسير في الطريق الصحيح نحو تطوير نظام مالي يوازن بين الشريعة والاحتياجات الاقتصادية الحديثة، بما يساهم في تعزيز الاستقرار المالي وتنمية الاقتصاد الوطني بشكل عادل وشامل.