حكومة كفاءات أم حكومة تكنوقراط؟

الكاتب : الجريدة24

03 أغسطس 2019 - 02:30
الخط :

مرة أخرى يأتي الملك محمد السادس في خطبه على تعداد الإشكاليات الاجتماعية التي تعانيها فئة واسعة من المغاربة لم تشملها مخططات التنمية الاقتصادية، ومرة أخرى يجدد العاهل المغربي دعوته إلى بناء نموذج تنموي جديد.

لكنه هذه المرة وفي خطابه بمناسبة عيد العرش أعلن عن قراره بإحداث لجنة خاصة بهذا النموذج "تشمل تركيبتها مختلف التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص، تتوفر فيها معايير الخبرة والتجرد، والقدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته، واستحضار المصلحة الوطنية العليا".

هذه الخطوة حكمها عدة اعتبارات، مع تسجيل نقطة هامة وهي أن العاهل المغربي شدد في خطابه على أنه لا يميل إلى إحداث اللجن الخاصة، إلا في حالات استثنائية.

ونذكر من بين هذه الاعتبارات أن المذكرات والاقتراحات المرفوعة من طرف المؤسسات والأحزاب السياسية لم تتمكن من بلورة تصور شامل للمشروع التنموي المنتظر إطلاقه، بعد دعوات الملك محمد السادس السابقة إلى ذلك، وإلا لما كانت هناك حاجة إلى إحداث هيأة استشارية خاصة بذلك.

وكان واضحا من الخطاب الملكي حرص رئيس الدولة على احترام الدستور وصلاحية كل مؤسسة، مهما كانت ملاحظاته بشأن عملها والتي استفاض فيها خلال خطب ملكية سابقة.

ويستشف هذا الحرص من خلال التأكيد أولا على أن اللجنة الاستشارية المحدثة لبلورة نموذج تنموي ليست أبدا بديلا عن الحكومة أو يمكن أن تحل محل قطاعاتها الوزارية.

وثانيا الحرص على احترام صلاحيات رئيس الحكومة من خلال مطالبته بإجراء تعديل حكومي موسع بعد بداية الدخول السياسي المقبل وتكليفه باقتراح عدد من الكفاءات في مواقع المسؤولية، إذ ينص الفصل 47 من الدستور على أنه "للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم.

ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية".

ثالث المؤشرات في هذا الصدد تتمثل في دعوة الملك إلى توطيد الثقة في المؤسسات الوطنية، بل وربط التحاق المغرب بقاطرة الدول المتقدمة بعدد من التحديات أولها "رهان توطيد الثقة والمكتسبات: لكونها أساس النجاح، وشرط تحقيق الطموح: ثقة المواطنين فيما بينهم، وفي المؤسسات الوطنية، التي تجمعهم، والإيمان في مستقبل أفضل".

في مقابل هذه الإشارات الإيجابية فإن الخطاب الملكي طرح العديد من الإشكاليات التي مازال لم يعثر على جواب بشأنها، ولعل أبرزها نقطة الكفاءات التي دعا العاهل المغربي إلى الاستعانة بها. وكان واضحا منذ تعيين الحكومة الحالية تركيز شديد من الملك على ضرورة تعيين كفاءات عالية في مجالها في مناصب المسؤوليات ذات الطبيعة الاستراتيجية.

لكننا في الحالة المتعلقة بالتعديل الحكومي المقبل أمام إشكال محوري، هل نحن نبحث عن كفاءات تقنية في مجالها أو ما يصطلح عليها بالتكنوقراط وإصباغها بألوان حزبية معينة لدخول الحكومة، أم نبحث عن نخب سياسية مؤهلة؟ فتعيين الأولى يؤدي إلى تبخيس العمل الحزبي والسياسي وبالتالي عدم توطيد الثقة في المؤسسات، أما الثانية فهي الكفيلة بإعادة الاعتبار للمؤسسات.

يجب أن نعترف -وهذا ليس سرا من الأسرار- بأن أحزابنا السياسية لم تعد قادرة على إنتاج لا كفاءات ولا نخب بالشكل الكافي، لاعتبارات يختلط فيها الذاتي مع الموضوعي.. وهذا يفتح الباب أمام البحث عن كفاءات من خارج المنظومة الحزبية. إلى هنا لا يوجد أي مشكل، وإنما الإشكال يكمن في تحديد ماهية هذه الكفاءات أو النخب، هل الأمر يتعلق فقط بالتكنوقراط؟ وهؤلاء مكانهم الطبيعي ليس في مواقع المسؤولية ذات الطبيعة السياسية (وزارة أو مجالس استشارية أو مؤسسات عمومية تحتاج إلى اتخاذ قرارات ذات طبيعة سياسية..)، وإنما في مواقع التنفيذ المباشر سواء إلى جانب المسؤولين السياسيين (أصحاب القرار) أو على رأس مؤسسات تحتاج الخبرة التقنية المحضة. .

وبناء على ذلك، فنحن في حاجة أولا إلى نخب تتمتع بالكفاءة العالية في مجالها، مع تملكها لأفق سياسي يؤهلها لفهم واستيعاب النموذج التنموي المنتظر تنزيله. غير ذلك، لن نقع سوى في نفس الإشكاليات التي عددها الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش.

آخر الأخبار