عندما كان السياسيون بالمغرب يشبهون بالنبيذ الذي تزداد قيمته كلما تعتق في الأقبية

الكاتب : الجريدة24

20 نوفمبر 2019 - 01:30
الخط :

تتسم العلاقة بين أحزابنا السياسية والشباب بضعف التواصل، فبالرغم من محاولات التقارب، تظل الهوة متسعة بين جيل قديم من السياسيين المقاومين للتغيير من جهة، وشباب تعوزه الخبرة السياسية ويجد صعوبة في التموقع داخل المشهد السياسي من جهة أخرى.

حتى وقت قريب، كان السياسيون يشبهون بالنبيذ الذي تزداد قيمته كلما تعتق في الأقبية، حيث كان نموذج "السياسي العاقل" كالتالي: رجل تجاوز الستين من عمره، بوجه عبوس وخطاب ديماغوجي.

لكن ومنذ أقل من عشر سنوات، ظهرت على الجرائد وفي نشرات الأخبار وجوه سياسية جديدة بخطابات وأساليب مختلفة عما عهده المواطنون في الحقبة الماضية، الأمر الذي يشكل نقطة ضوء في النفق السياسي المظلم.

فقد لجأت المدرسة السياسية القديمة التي ظلت إلى حدود 2011 محتكرة للمشهد الحزبي إلى تشبيب هياكلها وتمرير المشعل إلى جيل جديد حقق اختراقا مهما على مستوى القواعد ومناصب المسؤولية.

ورغم أن الأمر لم يصدر عن طيب خاطر من الأحزاب، بل مرده بالأساس إلى إرادة الدولة (نظام الحصص في البرلمان، اللائحة الوطنية المخصصة للشباب بعد انتخابات 2011)، فإنه أنعش المشهد الحزبي المغربي المتسم بالرتابة والجمود، فأصبح الأطر الشباب حصانا رابحا تراهن عليه الأحزاب لتعزيز قواعدها الانتخابية وتوسيعها.

أحزاب منغلقة وشباب غير مهتم

يرى بعض المراقبين أن تشبيب المشهد الحزبي لا يعدو كونه تسويقا لشعارات رنانة لذر الرماد في العيون وخلق شعور زائف بالتغيير، حيث لا زالت الأحزاب تنهج الأساليب القديمة نفسها، ولا زال القادة الحزبيون العتيدون يلعبون خلف الستار ويوجهون التعليمات ويرسمون معالم المستقبل السياسي.

بإمكان الشباب التفكير ومناقشة القضايا السياسية والاعتراض وتقديم الاقتراحات كما يشاؤون في ظل مناخ ديمقراطي يكفل حرية التعبير، لكن عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرارت، ويقول "العقلاء" كلمتهم، لا يسع "المبتدئين" سوى التراجع إلى الوراء وتنفيذ التعليمات التي يصدرها "المحنكون سياسيا".

لا مجال "للصغار" للعبث في السياسة، فالأحزاب لا تبدي ترحابا بالأمر.

لكن ماذا عن موقف الشباب من الأحزاب والشأن السياسي بصفة عامة؟ يشير تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي صدر في أواخر 2018، إلى أن نسبة الشباب المنخرطين في الأحزاب السياسية أو النقابات لم تتعد واحدا بالمائة، الأمر الذي يجعل الأحزاب السياسية في حيرة من أمرها عندما يتعلق الأمر بتجديد نخبها.

فبحسب رئيس حكومة الشباب الموازية، إسماعيل الحمراوي، يأتي جزء كبير من هذه المعضلة من عزوف الشباب عن السياسة، وبالتالي ليس من العدل إلقاء كامل اللوم على الأحزاب.

ويضيف في تصريح لمجلة "باب" أن المسؤولية مشتركة بين الأحزاب والشباب، فمن واجب فئة الشباب التعبير عن آرائها والعمل على إيصالها، ليس فقط من خلال الشارع والمنصات الافتراضية، لكن أيضا عبر استغلال الفضاءات الرسمية والمؤسسات الديمقراطية والحزبية.

ويضيف أن الكرة أصبحت الآن في ملعب الشباب، لاسيما في ظل المناخ القائم الذي يتيح إمكانية اقتحامهم المعترك السياسي بفضل ما تحقق من تقدم على المستويات الدستورية والتشريعية والتنظيمية، التي يتمثل جزء منها في نظام الحصص الذي يخصص للشباب 30 مقعدا برلمانيا.

وفي هذا الصدد، يرى الحمراوي أن هذا "التمييز الإيجابي"، رغم ما يعتريه من نقصان، يكتسي أهمية بالغة لكونه يضخ دماء جديدة في شرايين المشهد السياسي المغربي.

لكنه أشار في المقابل إلى أن المادة 27 من القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية لم تحدد حدا أدنى لتمثيلية الشباب في الأجهزة المسيرة للأحزاب السياسية أسوة بما ينص عليه من تخصيص ثلث المقاعد للنساء في هذه الأجهزة.

وفي ظل غياب مسطرة واضحة وملزمة في هذا الشأن، فإن صعود الشباب السلم الحزبي يبقى رهين إرادة مسيري الأحزاب ويظل عرضة للمعوقات التي تفرضها الممارسات القائمة على المحسوبية.

الجدارة هي الفيصل

يعتبر الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، أحمد البوز، أن الرؤية القاضية بتخصيص نسبة محددة للشباب في الهيئات الحزبية لا تقوم على أساس صحيح، فبحسب رأيه، لن يحل هذا الاقتراح معضلة تجديد النخب الحزبية، إذ يرى أن "مناصب المسؤولية لا ينبغي أن تهدى، لكن يحصل عليها من يستحقها.

حيث يجب على الشباب شق مسارهم السياسي بالعمل الجاد والإتيان ببرامج مبتكرة وأفكار تقدمية ومبادرات شجاعة يستطيعون من خلالها إقناع الأحزاب والناخبين على حد سواء".

ويضيف أنه وباستثناء منصب الأمين العام للحزب السياسي، هناك تواجد شبابي في مواقع اتخاذ القرار الحزبية والبرلمانية والحكومية، فمنهم رؤساء لكتل برلمانية وناطقون رسميون وأعضاء في الهيئات التنفيذية والتقريرية، إضافة إلى الأجنحة الشبابية التابعة للأحزاب (18 في 35 حزب سياسي).

ويرى البوز أن الجميع يشيد بنظام الحصص القائم منذ 2011، لكن نادرا ما يتم التطرق إلى النتائج التي حققها الشباب الذين حصلوا على مقاعد في البرلمان بفضل هذا النظام. هل أحدث الشباب فرقا؟ هل أعطوا نفسا جديدا للحياة التشريعية؟ أسئلة يطرحها الأكاديمي ويجيب عليها بالتشكيك، إذ يرى أن تمثيلية الشباب لم تحدث فرقا يذكر حتى لو تمت على أساس من الاستحقاق والكفاءة، لكن ذلك ليس دائما خطأهم، بل مرده إلى أن الأطر الشابة الكفؤة تجد نفسها رهينة منظومة معيبة لا تشجع الإبداع وتقيد تنفيذهم للمشاريع التي يأتون بها.

قيادة شبابية كفؤة.. العملة النادرة

يرى الباحث الجامعي أنه ينبغي الحذر في الحديث عن مسالة إدماج الشباب في الحياة السياسية، "فالأمر لا يتعلق إطلاقا بصراع أجيال كما يحلو للبعض أن يردد بحماسة مفرطة، فمن ناحية، ليست كل الأحزاب السياسية على خلاف مع الشباب، ومن ناحية أخرى، لم يثبت كل الشباب الذين مارسوا العمل الحزبي جدارتهم، إذ لا يكمن الحل في إسناد مناصب المسؤولية لأكبر عدد من الشباب، لكنه يتمثل في العثور على الأشخاص المناسبين وذوي الكفاءات الذين يتحلون بروح المبادرة وبإمكانهم أن يأتوا بقيمة مضافة حقيقية.

بعبارة أخرى، لن يعدو الأمر أن يكون مجرد تكديس يسيئ إلى المشهد السياسي أكثر مما يفيده. لكن إذا ما استطعنا الجمع بين التشبيب والجدارة، نكون قد حققنا الهدف المنشود.

ويشير الحمراوي إلى أن هذا الأمر يعد واحدا من الأوراش الاستراتيجية التي تعمل عليها حكومة الشباب الموازية، مضيفا أنه تم تنظيم سلسلة من اللقاءات التي تم خلالها تحسيس الآلاف من الشباب بالعديد من القضايا الراهنة، وتمت الدعوة إلى إعادة تفعيل المعهد الوطني للشباب والديمقراطية الذي يرجع له الفضل في تكوين 350 ألف شاب، منهم من أصبحوا وزراء ومسؤولين.

"لو عرف الشباب ما يستطيع، واستطاع الشيوخ ما يعرفون"... لكانت الحياة السياسية مثالية في بلادنا، لكن بين جيل من القدماء غير المستعدين لتسليم المشعل، وشباب قليل الخبرة لا يعرف كيف يفرض ذاته، يبقى الأمر مجرد سراب بقيعة.

*عن مجلة باب بتصرف

آخر الأخبار