عدنان...عصفور آخر تكسر في غابة تخفي بين أشجارها وحوشا الآدمية  

الكاتب : الجريدة24

13 سبتمبر 2020 - 10:15
الخط :

 

أمينة المستاري

 

أرخت أجواء من الحزن بظلالها على عروسة الشمال، مع خبر العثور على جثة الطفل عدنان الذي خرج لاقتناء دواء ولم يعد...تناقلت صورته مواقع التواصل الاجتماعي على أمل أن يعود إلى أحضان أسرته، لكن دون أمل، وعوضا عنه أبلغت بخبر العثور عليه مدفونا ببيت كان يكتريه الجاني، وهو مستخدم  لم يشعر بأي إحساس بتأنيب الضمير وهو يغتصب الطفل وحتى لا يفتضح أمره ويخفي آثار جريمته قام بقتله ودفنه.

قضية اختطاف واغتصاب وقتل الطفل عدنان، العصفور الذي كسر قبل أن يتعلم أصول الحياة، على يد وحش من الوحوش الآدمية التي تتربص ب"طيور الجنة"، وهو سيناريو يعيد للأذهان سلسلة من جرائم الاختطاف والاغتصاب والتصفية التي عرفها المغرب، التي بقيت عالقة في الذاكرة، ضحاياها أطفال لم يفقهوا الحياة، وجناة غير أسوياء يعانون من ميولات شاذة، وبنية مريضة، يقبلون على اغتصاب أطفال بل وحتى الرضع، منهم من تعرض للقتل ومنهم من أفلت من الموت وظل يعاني من جراح وندوب ليست على الجسد فقط بل علقت بروحه.

فمختطفوا، مغتصبو، وقاتلو الأطفال أشخاص يعكس بعضهم ما تعرضوا له في طفولتهم، يعتمدون أسلوب الإغراء أو تقديم خدمة قبل اختطافهم واقتيادهم لأماكن مهجورة وخالية لاغتصابهم وقتلهم، يوصف جلهم بالمكر، والمتابعة والتخطيط واختيار الضحية...فيمارسون نوعا من الإغراء والممارسة الشاذة واللاإنسانية، هذا في الوقت الذي تظل فيه النصوص القانونية جامدة، لا تتساوى العقوبة مع الفعل المرتكب، وغالبا ما يتمكن المغتصب من قضاء سنوات قليلة وراء القضبان، ليعود إلى حياته العادية وربما إلى تكرار نفس الفعل.
 وقد أثار تزايد حالات الاغتصاب والقتل من طرف مغتصبين، مطالب بضرورة تعديل بعض الفصول في القانون الجنائي، والتعامل بصرامة مع المغتصبين، بعد أن تفجرت جرائم بشعة خلقت احتجاجات في مدن عديدة للمطالبة بحماية الطفولة، كما كان الحال في قضية عبد العالي الحاضي المعروف بـ" سفاح تارودانت الذي أخرج تارودانت سنة 2004 من روتينها وهدوئها، مع اكتشاف هياكل عظمية لأجساد صغيرة قرب مجرى الواد الواعر...هم ضحيتها ثمانية أطفال متشردين تعرضوا للاغتصاب ثم القتل خنقا، فقد كان "الحاضي" يقيم بمسكن صفيحي بمنطقة بويكيدو بالقرب من مقبرة بوذهب، ويختار فرائسه من بين الحمالة والمتسولين وماسحي الأحذية بالمحطة الطرقية، يمنحهم مأكولات مجانا، لكونه مساعد بائع مأكولات، قبل أن يستدرجهم إلى مسكنه ويخدرهم، ثم يمارس عليهم الجنس ويقوم بعد ذلك بخنقهم بكيس بلاستيكي، ويدفنهم تحت سريره قبل التخلص من الجثث في الواد...
هي سلسلة من الجرائم البشعة تركت بصماتها على الحياة اليومية بمجموعة من المدن، من قبيل قضية فطومة الغندور...رودانية أخرى قام مغتصبها "فريميجة" بخنقها وردم جثتها، مريم بن الشيخ  بالمحمدية التي اغتصبت وقتلت وقطع جسدها ودفن داخل محل مغتصبها البقال...
فجرائم الاغتصاب واستباحة أجساد أطفال وقتلهم مستمرة، وغالبية الجناة مرضى ومهووسون بالجنس..وهو ما جعل المجتمع المدني يخرج مرارا للاحتجاج وإطلاق صرخة "أطفالنا في خطر" في ظل تزايد بلاغات الاختفاء لأطفال خرجوا للعب أو من المدرسة، تربصت بهم وحوش آدمية اختارت بعد فعلتها وتفاديا لإمكانية فضحها والتعرف عليها، تصفية الضحايا، لاسيما إذا كان الجناة من الأقارب أو المعارف أو من أهل "الثقة".

وفي تحليل لشخصية مغتصبي وقاتلي الأطفال، يؤكد فيه أخصائيون أن تعرض الطفل للاغتصاب جرح لا يندمل، وقد تؤثر على شخصية الضحية، ويرى الأطباء وأخصائيو علم النفس أن 60 بالمائة من الشواذ جنسيا الذين يغتصبون الأطفال يعيدون نفس التجربة التي عاشوها في صغرهم وغالبا ما يكونوا قد تعرضوا للاغتصاب، وتصرفهم يعتبر انتقاما من مجتمع ومن واقع مرير عاشوه في طفولتهم.

الجمعيات العاملة في القطاع، أكدت مرارا أن قضية الاستغلال الجنسي واغتصابهم تجاوزت الحالات العادية، وانتقدت اشتراط وجود شاهد على حالة الاعتداء الجنسي، وطالبت بضرورة توقيع أقسى العقوبات على المغتصبين وسن عقوبة المؤبد على كل من اغتصب وقتل طفلا، لأن القانون من الناحية النظرية صارم، الاعتداء الجنسي من شخص بالغ مصحوب بالعنف من طرف شخص بالغ على شخص لا يتعدى 18 سنة قد يصل إلى 20 سنة، أما إذا كان الاعتداء الجنسي مقرونا بالعنف والفاعل من أصول الضحية قد تصل العقوبة إلى 30 سنة، لكن غالبا لا يطبق القاضي العقوبة اللازمة، وهو ما يطرح مشكل العود، ويتيح الفرصة لاستمرار الجرائم البشعة في حق الطفولة.

آخر الأخبار