قطاع الترجمة يحصي خسائره ويستشرف آفاق ما بعد الجائحة

الكاتب : الجريدة24

08 ديسمبر 2020 - 01:00
الخط :

عبد الحكيم خيران (ومع)

أفرزت جائحة كورونا عبر العالم تداعيات وخيمة على جملة من القطاعات والأنشطة تعطلت عجلتها فجأة من جراء توقف قسري ما زالت تكافح من أجل تجاوز تبعاته.

ولم يسلم قطاع الترجمة، التحريرية والفورية على حد سواء، من هذه التداعيات الوخيمة لارتباطه الوثيق بالتظاهرات والملتقيات الوطنية والدولية التي ألغي كثير منها وتأجلت أخرى بسبب إغلاق الحدود لمدة ليست باليسيرة.

في تشخيصه لحال القطاع في ظل الجائحة، يرسم المترجم التحريري والفوري، خالد ليف، صورة قاتمة في شكل "نكسة حقيقية"، لا سيما خلال الأسابيع والأشهر الأولى التي تلت تفعيل إجراءات الحجر الصحي وقرار إغلاق الحدود، باعتبار أن قطاع الترجمة، لا سيما الفورية، ينشط في ظل المنتديات واللقاءات والاجتماعات التي تعقد إما بصفة دورية سنوية أو مناسباتية بحضور متحدثين بلغات متعددة يمثلون مختلف القطاعات والتخصصات.

وسجل ليف، في حديث مع وكالة المغرب العربي للأنباء، أن نشاط الترجمة الفورية توقف تماما عن الاشتغال خلال فترة الحجر الصحي، قبل أن يبدأ القطاع في استعادة نشاطه تدريجيا بالتزامن مع مختلف مراحل رفع إجراءات الحجر أو التخفيف منها، بيد أنه ما يزال يئن تحت وطأة تداعيات الجائحة، حيث تناهز نسب تضرر المشتغلين في القطاع في الوقت الراهن ما بين 80 و90 في المائة.

وكان من تبعات الأزمة أن أصبح المترجم يتقاضى أتعابه حسب عدد الساعات التي اشتغلها، بأجور تقل عما هو معمول به في الظروف العادية، خلافا لنمط العمل عن اليوم في السابق.

ويشخص  ليف "أزمة خانقة" ما تزال تداعياتها تلقي بظلالها على قطاع الترجمة التحريرية بدوره جراء الجائحة، يعزو أسبابها أساسا إلى إغلاق الحدود وتوقف السفر من المغرب وإليه، وتوقف تدفق المهاجرين، لا سيما المغاربة المقيمون بالخارج.

وقد تفاقم الوضع، حسب السيد ليف، من جراء صعوبة الترجمة عن بعد بحكم تعذر التثبت من حجية الوثائق المصورة أحيانا، وما يستتبع ذلك من مساءلة للمترجم، وضرورة أن تكون الترجمة على ورق معنون يحمل ختم الترجمان المحلف وتوقيعه، وهو ما شكل عائقا تقنيا حال دون الاستجابة لطلبات الزبائن، وفو ت على المترجم موارد مالية في عز الأزمة.

وكان لزاما، في ظل هذا الوضع الذي أخذ الجميع على حين غرة، استكشاف بدائل كفيلة بتجاوز مرحلة الفراغ والقيود التي فرضها الواقع الجديد، تتمثل، بالأساس، في توفير إطار مناسب للاشتغال بديلا عن مقصورة الترجمة، ووسائل عزل الصوت، وتوفير حواسيب عالية الأداء، وصبيب أنترنت عال، وهي قيود فاقمت العبء وفرضت على المشتغلين في القطاع تكاليف جديدة تنضاف إلى الخسائر المتكبدة من جراء التوقف عن العمل لمدة معتبرة من الزمن.

كما فرض الواقع الجديد على المترجمين، حسب السيد ليف، توفير ما يلزم من معدات العمل في البيت، والتمرس على تقنيات التواصل عن بعد، واستخدام منصات خاصة ببعض المنظمات أو منصات تواصل متاحة على الأنترنيت، فكان بديهيا أن تضيع فرص على من تعوزهم المعدات اللازمة أو الذين لا يحسنون استخدام وسائل التواصل الحديثة.

وفي استشرافه لآفاق القطاع، يتوقع المترجم المحلف أن يستأنف القطاع نشاطه وحيويته، وإن بوتيرة بطيئة، بعد تعميم عملية التلقيح ضد الوباء، معتبرا أن العديد من المنظمات والهيئات قد استساغت بالفعل فكرة العمل عن بعد، بل واستثمرت فيها خلال هذه الفترة لما توفره عليها من التكاليف المرتبطة بالتنظيم وما يستتبعه ذلك من ترتيبات وتنسيق مع العديد من المتدخلين، وهو ما يفرض على المترجم التأقلم مع هذا الوضع الجديد والتزود بما يلزم من معدات الاشتغال وإتقان استخدامها لضمان الاستمرارية ومسايرة المستجدات.

ومن المتوقع أيضا اعتماد خيار العمل وفق ما يصطلح عليه بالندوات الهجينة أو الفيجيتال (Phygital)، التي تمزج بين الشق الحضوري الكلاسيكي والعمل عن بعد.

ولأن في طي كل أزمة مزايا ودروسا يتعين استخلاصها تحسبا لحدوث تقلبات أخرى، يستشف السيد ليف من هذه الأزمة أهمية الانفتاح أكثر فأكثر على التكنولوجيات الحديثة في سبيل العمل على تقريب الترجمة مما يصطلح عليه بكفاءات المستقبل، لا سيما الذكاء الاصطناعي والمعلومات الضخمة وكل ما له علاقة بالثورة الصناعية الرابعة، التي يتعين على المترجم تسخيرها في عمله، وإلا وجد نفسه متأخرا عن الركب وفي عجز تام عن مجاراة نظرائه.

كما أن هذه الأزمة تفرض، حسب المترجم المحلف، ضرورة تجاوز العمل الفرداني والحرص على الاشتغال في إطار هيئات أو مجامع تمثيلية تعمل بالأساس على التأطير المحكم للمهنة، والانفتاح على مجامع وهيئات دولية تعنى بالترجمة من أجل التعريف بالمترجم المغربي وفتح آفاق أخرى في وجهه.

آخر الأخبار