لهذا أدارت إسرائيل ظهرها لتركيا ولجات للمغرب لتحقيق السلام مع العالم الإسلامي

الكاتب : انس شريد

03 يناير 2021 - 08:00
الخط :

هشام رماح

لطالما شكل السلام مع العالم الإسلامي مطلبا استراتيجيا ملحا للدولة العبرية، على أن العنصر الحاسم لتحقيق هذا المبتغى يتمثل في خلق جسور بينها وبين الأمم الاستراتيجية البعيدة عنها جغرافيا، وإسرائيل مؤخرا استطاعت إيجاد أهم الجسور التي كانت تبحث عنها من وهو المغرب"، هكذا جاء في مقال أوردته "جوروزاليم بوست" وقد تناول بالتحليل عملية استئناف المغرب لعلاقاته مع إسرائيل وما ترجوه الأخيرة من وراء ذلك.

مقال الرأي المذيل بتوقيع "آرييل حارخام" أشار إلى أنه وفي مستهل تسعينيات القرن الماضي، شرعت إسرائيل في مد علاقاتها مع تركيا، بوصفها الدولة الأشهر من بين عدة جسور تربط الدولة العبرية بباقي العالم، وهي تجمع بين أوربا والشرق الأوسط، لكن هذا الجسر انهار بصعود تيار "أردوغان" الذي عرف بانعدام شهيته لتحقيق السلام مع دولة وصفها بالسرطان، وذلك رغم أن تركيا، التي تصارع لكسب مكانة مهمة في الاقتصاد العالمي، وجدت في إسرائيل شريكا يرغب في تحقيق الاستقرار وتثبيت السلام في المنطقة.

وفيما انهارت العلاقات بين إسرائيل وتركيا، وتحولت إلى عداء مبطن وظاهر في أحايين عديدة، فإن الأسباب التي دفعت إلى ذلك جعلت الدبلوماسيين الإسرائيليين يحترزون من تكرار الخطأ المقترف، متى تم العثور على جسور استراتيجية أخرى، كما أفاد كاتب المقال محيلا على أن هذه العوامل وهي ثلاثة تتمثل أولا في القرب الجغرافي، لأن منطقة الشرق الأوسط تعد منطقة عامرة بالأحداث الجيوسياسية التي تثير الحمية في بعض الأمم من أجل محاولة لعب أدوار طلائعية وكذا محاولة الظهور بمظهر الدولة المؤثرة التي تنافح عن القضية الفلسطينية.

ووفق كاتب المقال فإن ما شكل عاملا حاسما في إعادة استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية هو كون المغرب غير متواجد جغرافيا في الشرق الأوسط وكونه بلد واقع في أقصى غرب العالم العربي والإسلامي وفي أقصى شمال إفريقيا، فيما يتجلى الدرس المستخلص في وجوب أن يكون الجسر المؤدي لتقارب إسرائيل مع العالم الإسلامي وتحقيق السلام معه من خارج منطقة الشرق الأوسط، لأن أصلا العلاقة ستكون محمية ونائية عن تأثرها ببعض المحاولات التي ترجو استدرار العاطفة والحصول على الريادة كما حدث مع تركيا.

ويتمثل العامل الثاني في التاريخ، إذ أن الماضي الذي يجره الأتراك بوصفهم "عثمانيون" يؤثر كثيرا على طموحاتهم، وبالتالي يجعلهم يحاولون الظهور كمتحكمين، فيما تنتفي لدى المغرب "الادعاءات الإمبراطورية" وبالتالي فإن علاقاته مع إسرائيل لن تتسم بـ"الحساسية" المفرطة والنزعة القومية العربية التي تغذي الخلافات مع الدولة العبرية، كما أن المغرب يوازي تركيا في مجاورته للعالم الغربي بسبب حدوده مع إسبانيا وبالتالي فهو أقل عداء للغرب ولا يتبنى مقاربة معادية له، على حد ما قاله كاتب المقال.

وفي خضم ذلك عرج كاتب المقال على اتفاقية الصداقة المغربية الأمريكية التي وقعت عام 1777، وهي التي تعد أول معاهدة واعتراف بالولايات المتحدة الأمريكية، كما لا يلزم تجاهل مساهمة الجنود المغاربة في الجيش الفرنسي خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، كما ان المغرب يعد طبقا مختلفا من الثقافات ويضم رابع اكبر تعداد سكاني في العالم العربي كما ان تاريخه تليد وزاخر بمختلف الأعراق وفيه كان القرطاجيون والفينيقيون واليهود.

واستنادا إلى كاتب المقال، فإن حنين تركيا للعهد العثماني لا يعد حادثة بقدر ما هو تراكم تنم عنه العديد من المحطات التي تطبع التاريخ التركي حاليا مثل احتلا جزيرة قبرص والإبادة الجماعية في حق الأرمن، وهو ما يحث إسرائيل على عدم الاستمرار في علاقاتها مع دولة "تتجبر" قد ينعدم معها تحقيق السلم واحترام التعددية، في ظل دعوات "الشيطنة" التي تنبعث لاستعادة "مجد" ولى.

أما العامل الثالث فيتمثل في السياسة المؤسساتية، التي تبدو منعدمة في تركيا التي تنهج سياسة الأرض المحروقة والتي اجهزت على نظام كمال أتاتورك وتحولت لنظام أوتوقراطي بين قبضة رجب طيب أردوغان الذي استطاع تعديل الدستور وتوديع أمل تشكيل دولة مؤسسات ديمقراطية، كما أفاد كاتب المقال، مشيرا إلى أن المغرب وبوصفه ملكية دستورية، استفاد كثيرا من الاستقرار السياسي الذي قاوم مختلف المحن عبر الزمن، غذ فيما تتقوقع تركيا على نفسها ينفتح المغرب رويدا ويحقق تقدما معتبرا، في ظل وجود معارضة بناءة جعلت من المملة البلد العربي الوحيد الذي بوأ حزبا إسلاميا قيادة حكومته عبر انتخابات ديمقراطية.

ورغم أن المغرب لا يتوفر على الجاذبية المتوفرة لدى تركيا المتحكمة في مضيق البوسفور، بوصفها جسرا بين الشرق والغرب، إلا أنه يتوفر على مراجع قوية تجعله واحدا من الدول الإسلامية المعتدلة والمستقرة التي قد تكفل لعب دور جسر لتحقيق السلام مع العالم الإسلامي، كما أشار كاتب المقال، متحدثا عن كون إسرائيل تج في المغرب أمة عربية مسلمة ديمقراطية وليبرالية، استفادت من اتفاقيات التبادل الحر مع الويلات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي والتي استطاعت تحقيق اقتصادي قائم على ذلك.

كما أضاف "آرييل حارخام" أن إسرائيل تمثل عرضا مغريا لمغرب يتوق لمعانقة القرن الـ21، لكن العقبة الحقيقية الوحيدة لتحقيق التقارب البناء بين البلدين تتمثل في ما قد تراه النخب السياسية في كلا البلدين من أجل اغتنام الفرص التي تدرها الاتفاقات الإبراهيمية، إذ يلزم تطوير الدبلوماسية مع المغرب بعناية فائقة بحيث تصبح العلاقات العامة والتبادلات الثقافية والمبادلات الدبلوماسية على نفس القدر من الأهمية التي تحتملها العلاقات السياسية والاقتصادية على أمل الحفاظ على تحالف استراتيجي بناء ودائم مع دولة مسلمة.

آخر الأخبار