"فري بريس".. دفاع عن المعطي منجب أم دفاع عن أجندة دولية؟

سارعت منظمة "فري بريس أنليمتد"، إلى التضامن مع المعطي منجب، دون تدقيق في التهم الموجهة إليه. النهج الذي عبرت عليه هذه المنظمة الهولندية، والتي تعد واحدة من أبرز مموليه، يدفع إلى طرح العديد من الأسئلة بخصوص أجندتها الحقيقية..
محاولة فاشلة لتبرئة منجب
بادرت النيابة العامة لفتح تحقيق قضائي، بسبب وجود شبهات على تورط المعطي منجب في تحويل أموال مقدمة لمركز ابن رشد، على أساس أنها مساعدات مالية لإنجاز مشاريع ذات طابع مدني-حقوقي، نحو الاستخدام الشخصي.
أمر قاضي التحقيق باعتقال منجب، بسبب وجود شبهة ضده تتعلق بتبييض الأموال، ومع ذلك صدرت بعض المواقف من بعض الفاعلين يتضامنون من خلالها مع منجب، لاعتبارات شتى لا مجال هنا للتفصيل فيها.
ونكتفي في هذا الإطار، بتسليط الضوء على موقف منظمة "فري برس أنليمتد"، واحدة من المؤسسات التي كانت تمول مركز ابن رشد، وهو عبارة عن شركة مملوكة للمعطي منجب.
المنظمة الهولندية ادعت أن تعاملاتها المالية مع المعني بالأمر كانت سليمة، مضيفة أنها كانت تنشط في المغرب من عام 2006 حتى عام 2015، وكان هدفها دعم وتطوير بيئة إعلامية مهنية، من خلال مشاريع تهدف إلى تعزيز وسائل الإعلام المستقلة ودعم التقارير الاستقصائية عالية الجودة في المغرب، مثيرة الانتباه إلى أن المعطي منجب كان أحد شركائها.
إصدار المنظمة لبلاغ بشأن قضية معروضة على القضاء يطرح أكثر من علامة استفهام. علامات استفهام تدفعنا إلى فضح بعض النوايا غير السليمة لبلاغ هذه المنظمة.
هذه النوايا تتضح من خلال إصرارها على إغفال عدد من المعطيات في البلاغ الذي قدمته، فمن المعلوم أن أموال الدعم الأجنبي ذو الصبغة غير الربحية، بمعنى الموجه لتنفيذ مشاريع ذات علاقة بالصالح العام وبمجالات حقوق الإنسان الواسعة المرتبطة بما هو مدني وسياسي وثقافي واجتماعي وتنموي وبيئي.. خاضع للمراقبة من طرف عدد من الجهات الرقابية على المستوى الوطني.
صحيح أن قوانين المملكة المغربية لا تتضمن عراقيل مسطرية أمام المجتمع المدني من أجل تلقي المساعدات المالية من مؤسسات أجنبية، إلا أنها تخضعها لمراقبة من طرف الأمانة العامة للحكومة وللمجلس الأعلى للحسابات وأيضا لمديرية الضرائب.
كون هيئة معينة تلقت دعما ماليا في إطار مشروع أو اتفاقية شراكة مع مؤسسة دولية، وأن الأخيرة راقبت أوجه صرف تلك المعونة من خلال تقارير مالية يتم إرسالها بشكل دوري معززة بفواتير، فإن هذا لا ينفي سلطة المراقبة المالية للجهات المختصصة على الصعيد الوطني والمشار إليها سابقا، خصوصا وأن التقارير التي تقدم للمنظمات الأجنبية لا تتضمن تدقيقا ماليا مفصلا كما هو الشأن بالنسبة لمؤسسات المراقبة على الصعيد الوطني.
كل هيئة سواء كانت مدنية ذات هدف غير ربحي أو كل هيئة ذات هدف ربحي، هي ملزمة بوضع تقرير مالي سنوي عن حساباتها لدى إدارة الضرائب، وفق نموذج معد لهذا الغرض.. كما أن الجمعيات ملزمة من باب الحكامة المالية بإخضاع هذه التقارير المالية السنوية، لتدقيق حسابات يشرف عليه خبير محلف، دون إغفال طبعا دور الأمانة العامة للحكومة التي يجري التصريح لديها بكل سنتيم توصلت به جمعية معينة من جهة أجنبية.
إذن، فشهادة المنظمة الهولندية مجروحة، كونها لم تستند سوى على تقارير مالية داخلية بينها وبين شريكها المعطي منجب. وهنا يمكن أن نتساءل: هل منظمة "فري برس أنليمتد" الهولندية كلفت مكتب خبرة محاسباتي محلف سواء وطني أو دولي من أجل تدقيق حسابات مركز بن رشد بعد هذا الجدل المثار بشأن النزاهة المالية لصاحبه المعطي منجب؟ وللإشارة فهذا سلوك تنهجه العديد من المنظمات المانحة عندما يساورها أدنى شك في المعطيات المالية المقدمة إليها من طرف شركائها.
وما يمنح هذا التساؤل مشروعية أكبر، تصريحات محمد القرني الممثل القانوني لشركة (FIDUGAR SARL)، المسؤولة عن حسابات "مركز ابن رشد للدراسات والتواصل"، أمام محققي الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، حيث أكد لهم أنه لم يتلق قط من منجب مستندات تبرر التحويلات التي تلقاها من الخارج، ولا تلقى ما يبرر عمليات السحب التي قام بها سواء عن طريق الشيكات أو عن طريق الشباك الأوتوماتيكي، مضيفا أن المشتبه به أخفى الفواتير وشرع في تضخيم المصاريف المتعلقة بمركزه، وهي العملية التي مكنته من إدراج جميع المصاريف غير المبررة في حسابات شركته.
التصريحات المذكورة وردت في عدد من وسائل الإعلام، ولم يجر تكذيبها سواء من طرف المعني بالأمر المعتقل احتياطيا، أو من طرف صاحب الشركة المحاسباتية المذكورة، ألم يكن من الأجدر أن تفحص المنظمة الهولندية ما أورده محمد القرني من تصريحات منشورة في وسائل الإعلام، بناء على تقنيات الصحافة الاستقصائية التي تقول إنها تدعمها في عدد من البلدان بدل أن تسارع إلى تبرئة منجب؟
تحايل على القانون
تبرئة المعطي منجب من طرف "فريس بريس أنليمتد"، دون أدنى تحقق ما يروج حول ذمته المالية، لا تطرح لوحدها تساؤلا عريضا بشأن "نيتها المفترضة"، وإنما أيضا نقطة أخرى غاية في الأهمية، حول مدى معرفتها بكون "مركز ابن رشد للدراسات والتواصل" هو عبارة عن شركة وليس جمعية.
ونذكر هنا في هذا السياق، بكون المشرع المغربي أفرد عددا من الفصول ذات الصلة بالمساعدات المالية، التي يمكن أن تتلقاها الجمعيات من طرف جهات أجنبية أو منظمات دولية، ووضع عددا من الشروط الواردة في الفصلين 17 و32 مكرر من قانون تأسيس الجمعيات (ظهير شريف رقم 1.58.376 كما وقع تغييره وتتميمه).
وعلى عكس بعض دول الجوار، فالمملكة المغربية لا تضع عراقيل قانونية ولا إدارية أمام هذا الدعم الدولي الموجه للجمعيات، إذ أنه وفق آخر الإحصائيات فخلال سنة 2020 تلقت 273 جمعية دعما أجنبيا بأكثر من 310 مليون درهم.
إن فلسلفة هذا الدعم المالي للجهات الأجنبية، تقوم على أساس واضح وهو أنها موجهة لمشاريع تقدمها جمعيات بهدف غير ربحي بتاتا، لأن العمل الجمعوي ليس مجالا للكسب المالي.. لكن الغريب في ملف المعطي منجب، أنه تلقى أموالا من المفترض أنها موجهة لأهداف غير ربحية، في الحسابات البنكية لشركة ذات هدف ربحي.
نحن هنا أمام تحايل على القانون وتحوير لمسار أموال قادمة من الخارج على أساس أنها موجهة لتكوين وتقوية قدرات الصحافيين والإعلاميين والفاعلين الحقوقيين، نحو حسابات بنكية لشركة يملك المعطي منجب أغلبية أسهمها، دون الدخول في مسار هذه الأموال التي وصلت إلى حدود 5 ملايين درهم ووجدت طريقها إلى حسابات المعطي منجب الشخصية وشقيقته فاطمة منجب وزوجته الفرنسية.
إن هذه النقطة لا تسائل المعطي منجب والقائمين على "مركز ابن رشد للدراسات والتواصل" فقط، وإنما أيضا حتى الجهات المانحة التي كانت تقدم المساعدات المالية للمركز، ومن بينها المنظمة الهولندية "فري بريس أنليمتد"، فمن المعلوم أنه قبل التوقيع على أي اتفاقية شراكة تطلب الجهات المانحة وثائق معينة من شركائها من بينها وصل الإيداع القانوني والقانون الأساسي والتقارير المالية.. ماذا يعني كل هذا؟ يعني أن المنظمة الهولندية كانت على الأرجح تعلم أن مركز ابن رشد للدراسات والتواصل هو شركة ذات هدف ربحي ومع ذلك لم تمانع في عقد شراكة معه.
انطلاقا ما سبق يدفعنا من دون شك نحو طرح عدد من التساؤلات، إذ كيف لها ألا تبادر المنظمة الهولندية للقيام بكل ما أشرنا إليه، وهي تشتغل بالمغرب منذ سنة 2008 وقدمت مساعدات أجنبية خلال عملها بالمملكة تقدر بـأزيد من 300 ألف أورو، نال المعطي منجب النصيب الأكبر منها من خلال مركز ابن رشد.
الخلاصة هي أنه، عندما لا تكون الحكامة المالية حاضرة في مشروع معين، فبالتأكيد أن هذا الغياب يخفي الأهداف المضمرة من طرف هذه المنظمة الهولندية.. نحن نكون إذن أمام تنزيل أجندات أجنبية، هدفها ابتزاز المملكة المغربية بورقة حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، مقابل الحصول على امتيازات.
حرية تعبير أم أجندات؟
لماذا المعطي منجب بالضبط من اختارت هذه المنظمة الهولندية التعامل معه؟ لماذا مثلا لم تسع إلى إبرام شراكات مع هيئات نقابية أو جمعيات تضم الصحافيات والصحافيين بالمغرب؟ نحن نعلم اليوم أنه لا وجود لأي مساهم من الصحافيين في مركز "ابن رشد للدراسات والتواصل" أو يحتل موقعا داخل مجلس إدارته.
ولهذا فنحن هنا نطرح التساؤل، كيف يمكن للمعطي منجب أن يشتغل في مجال حرية الصحافة والإعلام وتكوين الصحافيين دون أن تكون له أدنى علاقة بالقطاع أو المشتغلين فيه؟ إن الابتعاد عن الهيئات العاملة في مجال حرية الرأي والتعبير لاسيما الهيئات النقابية، هو سلوك دأبت العديد من المنظمات التي تدعي الدفاع عن حرية الرأي والتعبير عليه، بل إنها في بعض الأحيان تحاول أن تحارب الإطارات المنظمة وضرب مصداقيتها وفرض "نخبة إعلامية" مزيفة.
إن هذا السلوك يسهل عليها بكل بساطة تمرير أجندتها بسهولة وترويج خطاباتها التي لا تكون مبنية على أسس قوية، لأنها تعلم علم اليقين أن الهيئات المنظمة لن تمكنها من تنفيذ أجنداتها.
دعونا نلق نظرة حول تصور هذه المنظمة الهولندية عن الوضع في المغرب. وفق ما هو مكتوب في موقعها الإلكترونية الرسمي حول الوضع الإعلامي في المغرب، فإن الأحزاب السياسية تسيطر على الصحف الكبرى!! والإذاعة والتلفزيون مملوكتان للدولة !! ربما الزمن توقف عند "فري بريس" منذ ما قبل فترة التسعينات، فالصحافة الحزبية تراجعت وحلت محلها الصحافة الحرة والخاصة في المكتوب والرقمي، والقطاع السمعي البصري تم تحريره، فعن أي بلد يتحدثون؟
تخبرنا "فريس بريس أنليمتد"، أن سكان المغرب لا يتلقون سوى معلومات محدودة حول ما يجري في بلادهم من خلال وسائل الإعلام، ومرة أخرى نطرح التساؤل عن أي بلد يتحدثون؟ لأن كثافة المعلومات التي يتوصل بها المواطنون يوميا غزيرة جدا، كما أن القول بعدم رضى المواطنين عن وسائل الإعلام يستلزم دراسات إحصائية دقيقة وليس تقديمه هكذا كانطباعات؟
انطباعات يتم من خلالها تمرير أجندات أجنبية سياسية معينة، وبطبيعة الحال كان المعطي منجب الشخص المؤهل للقيام بهذا الدور بالنسبة للمنظمة الهولندية، لهذا تابعنا كيف حاول أن يخلق "نخبة مزيفة" من الصحافيين ممن لم يكتبوا مقالا ولو في مجلة حائطية، وحاول الترويج في مرات عديدة، لعدد من الادعاءات غير الصحيحة وغير المستندة لأي دليل أو مؤشر أو معطى، والتي تحتاج إلى فحص شامل "للحقائق" الواردة فيها.
الخلاصة هذه بتلك، تنفيذ أجندة معدة بعناية من أجل الترويج لمعطيات مزيفة بخصوص المملكة المغربية لفائدة خصومها، مقابل عدم التدقيق في التقارير المالية المتعلقة بالمساعدات والهبات التي تقدمها المنظمات الدولية المانحة..