العدل والإحسان تقر بسيرها وراء السراب وتنشد طي الصفحة

أخيرا أدركت جماعة العدل والإحسان المحظورة أنها كانت تسير وراء السراب، وأن تبنيها لأسلوب المعارضة الهلامية لم يعد مجديا، وأن حلم الخلافة ما هو إلا خرافة انتهت مع رحيل مرشدها إلى دار البقاء.
الناطق الرسمي باسم الجماعة ونائب أمينها العام فتح الله ارسلان، سيقر في كلمة بثت على صفحة الجماعة على الفيسبوك، أن التغيير الذي ينشدونه ليس بالضرورة عليه ان يمر عبر التجارب التي عرفتها المنطقة والكل يعرف نتائجها.
وطالب ارسلان بفتح صفحة جديدة يشارك فيها الجميع، ووضع اليد في اليد بدون إقصاء أحد..لكن ما سر هذا الانقلاب 180 درجة في مواقف الجماعة بعد أن كان سقفها هو إقامة نظام الخلافة والإطاحة بالنظام السياسي القائم؟
قبل الإجابة على هذا السؤال دعونا نعدد أبرز الخطايا التي اقترفتها الجماعة منذ نشأتها بداية الثمانينات من القرن الماضي إلى يومنا هذا.
الجماعة نشأت وترعرعت على نمط تدين جديد يمتحي من أدبيات الثورة الخمينية والتصوف مع بعض بهارات تنظيم الإخوان المسلمين لمؤسسه الراحل حسن البنا، حيث نصب مرشدها الراحل عبد السلام ياسين نفسه مرشدا وقطبا روحيا لا يأتيه الباطل من أي اتجاه.
الخطيئة الثانية هي عزل الجماعة نفسها سياسيا من خلال دعوتها لإقامة نظام الخلافة، ومؤلفات مرشدها الراحل كانت تعتبر الديمقراطية كفرا ودعا في رسالة الطوفان التي بعث بها للملك الراحل الحسن الثاني إلى حل جميع الأحزاب.
الخطيئة الثالثة أن الجماعة تؤمن بمبدأ الهيمنة وإقصاء الآخر ولعل سلوك فصيلها الطلابي في الجامعيات حين ظهوره بداية التسعينات من القرن الماضي خير شاهد على هذه الهيمنة التي وصلت الى حد الاقتتال بالسيوف والسواطير مع الفصائل المنافسة.
الخطيئة الرابعة تتمثل في دخول الجماعة في تنسيق دولي مع حركات الإسلام السياسي في دول الجوار، وأيضا مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين المسيطر عليه من قطر وتركيا، على حساب القضايا التي تهم وتشغل بال المغاربة.
الخطيئة الخامسة سعي الجماعة بكل ما أوتيت لتبني خطاب التأزيم، والعدمية وركوب موجات الاحتجاجات التي هدفها سيادة جو العدمية وشحن الأجواء بالسلبية، حيث وصل مدى هذا الأسلوب إلى الانخراط في حركة 20 فبراير، والتماهي مع ثورات الربيع العربي، ولما فشل هذا المسعى اضطرت الجماعة إلى الانسحاب ، مع الاستمرار في الركوب على باقي الحركات الاحتجاجية التي يعرفها المغرب بين الفينة والأخرى.
وعودا على بدء فان سر دعوة الجماعة عبر ناطقها الرسمي إلى طي الصفحة، هو اقتناعها متأخرة أنها كانت تسير وراء السراب، بعد النتائج السلبية التي حققها تيار الاسلامي السياسي الذي وصل إلى السلطة في عدد من الدول العربية حيث كانت نتائجهم كارثية على مستوى التدبير والتسيير، مما جعل شعبيتهم تتآكل بالتدريج.
ثاني هام هو انحسار الدور الذي كان يقوم به التنظيم الدولي للإخوان المسلمين المسنود قطريا وتركيا بدعم أمريكي، حيث يراد له أن يتقهقر إلى الخلف خلال المرحلة القادمة.
الجماعة تدرك أن موجة التيارات الإسلامية إلى أفول، وان أعضائها الذين حشدتهم لبضعة عقود، باتوا كمثل الحديد الصدأ ماهم بمكاسب دنيوية كتلك التي جناها نظرائهم في العدالة ولتنمية، وما هم أدركوا مقام الإحسان الذين وعدهم مرشدها الراحل ببلوغه.
القيادة الحالية للجماعة باتت تدرك أنها أخلفت موعدها مع التاريخ وأن قانون التجاوز قد أدركها، وتبحث عن مخرج مشرف ينقذ ماء وجهها أمام قواعدها المهترئة.