بوريطة " يفعفع " ألمانيا بمراسلة داخلية بدون نشر بيان

هشام رماح
لم يصدر أي بلاغ أو بيان رسمي عن وزارة الخارجية المغربية بشأن قرار المملكة تجميد جميع علاقاتها مع ألمانيا، رغم أن الوثيقة التي وجهها ناصر وريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج إلى رئيس الحكومة وعبره وأعضائها، أقامت الدنيا ولم تقعدها وفتحت أبواب التأويلات مشرعة في وجوه الجميع.
وفيما يتعلق الأمر بوثيقة داخلية فإن فحواها لم يترجم عبر بلاغ أو بيان رسمي من قبل الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، كما أن الجهل بالدوافع الحقيقية الكامنة وراء قرار تعليق كل الاتصالات مع السفارة الألمانية في المغرب، أذكى التأويلات والتفسيرات التي يمكن إدراجها في سياقات مختلفة.
وتتبدى معالم حنكة دبلوماسية مغربية بحتة من خلال منطوق المراسلة التي وجهها الوزير ناصر بوريطة، إلى رئيس الحكومة وباقي أعضائها، وكأن المُبهم جاء واضحا، وقضى غايته حينما عكس حقيقة واقع الأمور القائل "هناك شيء ليس على ما يرام بين المغرب وألمانيا" وعلى المعنيين بالأمر البحث عن البواعث الحقيقية لمثل هكذا قرار ومراجعة حساباتهم من جديد.
ويبدو جليا أن المغرب وألمانيا ليسا على وفاق تام، وهذا شأن ينطبق على عدد من الدول القليلة في العالم، لكن تخمة الانزلاقات الألمانية جعلت المملكة تلفظ ما تجرعته لسنوات طوعا وليس كرها من أجل الحفاظ على شعرة معاوية مع بلد يعي جيدا أنه غير مؤثر البتة في الخريطة العالمية ويبحث لنفسه على صوت وسط الأصوات المتعالية في المعمورة.
وبينما تتعدد نقاط الاختلاف بين المغرب وألمانيا أكثر من تلك التي تشي بحصول الائتلاف، فإن في مراسلة ناصر بوريطة، التي لم توضح أسباب تعليق العلاقات المغربية مع ألمانيا، تحيل على ذكاء دبلوماسي، عبر بعث رسائل مضمرة تجعل البلد الأوربي يعيد حساباته ويضع المغرب في الموقع الذي يستحقه بوصفه بلد يؤمن بالإبداع لا الاتباع كما عهدت من دول أخرى في الجوار.
وتبزغ عدة أمور عالقة بين المغرب وألمانيا، من قبيل مناوشتها للقرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، واعتراف بلاده بمغربية الصحراء، مرورا بمحاولتها مناوشة المغرب عبر اتفاقيات الفلاحة والصيد البحري المبرمة بين المملكة والاتحاد الأوربي ثم ملفات الهجرة وكذا قناة "دويتشه فيله" في نسختها العربية التي حادت منذ زمن عن مسار العقل...
ومما لا خلاف فيه أن توضيح الواضحات من المفضحات، والتخصيص يفيد غير التعميم الذي يجب أن يسري على مختلف التحركات الألمانية التي يستشف منها معاداة مصالح المغرب ويشتم منها أن بلاد الألمان تعيش في سوء فهم كبير وهي تظن أنها تستطيع وضع المغرب في نفس السلة التي تتعامل بها مع من يداهنونها مرضاة لأنفسهم وتنفيسا عن "الهم المغربي" الذي يثقل صدورهم.
قبل ألمانيا كانت السويد وهولندا وفرنسا وإسبانيا وغيرها وكلها دول لها صيت عالمي وتأثيرات تختلف باختلاف السياقات والإطارات على الساحة العالمية، وقد اختبرت في وقت سابق صبر المملكة ووجدت فيها جلدا وهي تنتصر للتعاون البناء بدل المراوغات، لكن عندما داست هذه الدول الخطوط الحمراء للمغرب وجدت ما أثار العجب لديها وجعلها تنكفيء عن انزلاقاتها وترتب علاقتها مع المغرب على ضوء الحقيقة التي سطعت في وجوهها.
الآن جاء الدور على ألمانيا لتعرف مع أي طينة من البلدان تتعامل وأن تعي أن إسقاط نفس التعامل على المملكة لا يفيد ولن يجدي نفعا، كما أن المراسلة التي جاءت مبهمة انحازت لما يؤمن به المغاربة قاطبة كون "الحر يفهم بالغمزة"