عبد النباوي: قرارات الاعتقال الاحتياطي تتأثر بالضغط الاجتماعي

الكاتب : انس شريد

28 مايو 2021 - 06:15
الخط :

قال محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، اليوم الجمعة، أن الاعتقال الاحتياطي هو تدبير يمس بالحرية، بالنظر لتقييده لها قبل ثبوت ارتكاب الجرم بحكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به، وبحث سبل ترشيده ظل، ولا يزال، الانشغال الأهم الذي لازمني على مدى تقلدي مسؤولية القضاء ومن كل مواقعها.

وأكد النباوي في كلمة ألقاها بالنيابة عنه السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتطوان مصطفى لغزال، بمناسبة المشاركة في اليوم الدراسي الخاص في موضوع " الاعتقال الاحتياطي بالمغرب: أزمة مسطرية وقضائية أم أزمة سياسة جنائية" ، أن مسألة الاعتقال الإحتياطي فرض علي إلى جانب زميلاتي القاضيات وزملائي القضاة-العمل بكل ما أوتينا من عزم وحزم على تدبيره بما يضمن إحقاق الحقوق وضمان الحريات، سواء كقضاة ممارسين أو مسؤولين قضائيين أو مساهمين في وضع مشاريع قوانين أو منفذين للسياسة الجنائية، ساعين بذلك، كما يمليه واجبنا المهني ووطنيتنا الراسخة، إلى حماية الحريات وصون الحقوق في تلازمها مع الواجبات، كما أمرنا بذلك جلالة الملك نصره الله، ووفقا لفلسفة الدستور وروح القوانين المغربية المتشبعة بمبادئ حقوق الإنسان المكرسة لمبادئ المحاكمة العادلة.

وأضاف ذات المتحدث، إن حضور المجلس الأعلى للسلطة القضائية لهذا اللقاء لهو فرصة جديدة نغتنمها للتنويه بأهمية الأدوار التي تضطلع بها أسرة الدفاع للذود عن الحقوق والمرافعة صيانة للحريات، وهي التي كانت لعقود من الزمن في مقدمة المدافعين عن حقوق الإنسان وحريات الأشخاص والاهتمام بشؤون المعتقلين، كما أن حضورنا يعتبر تأكيدا على دعمنا لإشراك المجتمع المدني في القضايا التي تهم المواطن، ومن بينها قضايا العدالة وحقوق الإنسان، ولذلك ننوه بإقدام هيئة المحامين بتطوان على عقد هذه الندوة بشراكة مع المرصد المغربي للسجون، لما له من دور في تتبع قضايا الاعتقال، مما يشكل امتدادا وبلورة لجهود الدفاع عن الحقوق والحريات.

وأبرز المتحدث ذاته، أنه اقتناعا منا بأن القاضي، ومن أي موقع كان، لا يمكن أن ينحصر دوره في تطبيق النصوص تطبيقا حرفيا جامدا دون تقدير للتكلفة التي تطال التزاماتنا بحماية الحقوق والحريات، فقد ظلت مساعينا تنصب دوما في اتجاه التأكيد على ضرورة تكريس المبدأ الدستوري المتمثل في التطبيق العادل للقانون وضرورة استحضار تحقيق العدالة في كل صورها ومعانيها بما يفرض التفاعل الإيجابي مع النصوص والوقائع، وبما يحفظ الكرامة والحقوق.

وتابع عبد النباوي في كلمة ألقاها بالنيابة عنه السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتطوان مصطفى لغزال، إأن موضوع الاعتقال الاحتياطي كان وما يزال من بين أكبر انشغالات السياسة الجنائية ببلادنا، من باب ارتباطه باكتظاظ السجون، فإنه لابد من الإشارة إلى أن تتبع الموضوع يؤكد أن العلاقة بين الموضوعين ليست دائما مؤشرا على ذلك، حيث إن 2% فقط من المعتقلين الاحتياطيين يحكمون بالبراءة. وأما الباقون فتتم إدانتهم. كما أن حوالي 90% ممن تمت إدانتهم يحكمون بعقوبات سالبة للحرية وهو ما يُغير وضعيتهم من احتياطيين إلى محكومين دون أن يغادروا السجن، وبالتالي فإن السجون تظل مكتظة لهذا السبب.

مشيرا أن تتبع الأحكام أفضى إلى أن الأشخاص الذين يُفرج عنهم لأسباب مختلفة، كالسراح المؤقت أو لصدور حكم بالإعفاء او بحبس موقوف التنفيذ في حقهم، إنما سُرحوا لظهور أسباب بعد الاعتقال، مثل التنازل والصلح، أو ظهور أدلة جديدة، أو لأسباب صحية او اجتماعية، او لأن المحاكم ارتأت أن الفترة التي قضوها رهن الاعتقال كافية، ولذلك فإن وضع اكتظاظ السجون يجب أن يُناقش من منظور مختلف عن منظور الاعتقال الاحتياطي الذي يظل مرتبطا بالتوازن بين تحقيق السير السليم للعدالة الجنائية واحترام قرينة البراءة.

وأوضح ذات المصدر، أن قرارات الاعتقال الاحتياطي تتأثر بالضغط الاجتماعي أحيانا، كما يتجلى ذلك بمناسبة تناول الرأي العام لبعض أنواع الجرائم، أو من خلال شكايات الضحايا، كما أن عدم وجود بدائل كافية للاعتقال الاحتياطي يُتيح مساحة كافية للجهات القضائية المختلفة المكلفة بتدبير قضايا المعتقلين بما يحقق التوازن بين حماية حرية المشتبه فيهم والمتهمين وحماية الأمن العام وضمان السير السليم للأبحاث والمحاكمات الجنائية.

ووفق المتحدث ذاته، فإن مكونات السلطة القضائية تتابع الموضوع باهتمام عن طريق المسؤولين القضائيين، لذلك، وتأكيدا على أهمية الأدوار التي يجب أن يضطلع بها هؤلاء المسؤولون في نطاق اختصاصاتهم في مجال الإدارة القضائية الرصينة والمتبصرة، وسعيا إلى إيلاء قضايا المعتقلين ما تستحقه من عناية وسرعة وفعالية، في إطار القانون وسلامة الإجراءات، فقد تم التأكيد في مناسبات ودورات تأطيرية عدة، خاصة بالمسؤولين القضائيين، في مجال الإدارة القضائية على ضرورة الحرص على اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لتسهيل تجهيز القضايا وتصفيتها في آجال معقولة تتماشى، على الأقل، مع الأعمار الافتراضية المسطرة لكل نوع منها، ولا سيما من خلال ما يلي أولا الوقوف على مدى الاطلاع القبلي على ملفات المعتقلين تفاديا لإطالة المحاكمة بسبب تعاقب إجراءات لم تباشر في إبانها، وخاصة في القضايا التي تنتهي بالبراءة  أو بعقوبة موقوفة التنفيذ أو بغرامة بعد قضاء المعتقل وقتا طويلا رهن الاعتقال، ثم ثانيا التنسيق الوثيق مع السادة نقباء هيئات المحامين المختصين قصد العمل على تمكين رؤساء الهيئات بلائحة محينة بأسماء المحامين، وذلك لتفادي التأخيرات المتوالية في انتظار تنصيب محام أو تعيينه بالنسبة حالات الاعتقال التي تكون مؤازرة المحامي إلزامية.

وبالنسبة للمسألة الثالثة، يضيف عبد النباوي، على ضرورة احترام تحرير الأحكام والقرارات والأوامر الصادرة في قضايا المعتقلين في أجل معقول مراعاة لحقوق المتهم والدفاع، ورابعا  الحرص على توجيه القضايا المطعون فيها إلى الجهة القضائية المختصة بالسرعة المطلوبة؛ تم خامسا التعجيل بتنفيذ الإنابات القضائية وإرجاعها في أقرب الآجال؛ أما سادسا تلافي كل ما يؤدي إلى إطالة عمر القضايا كتمديد المداولة أو التأمل أو إخراج الملفات منهما؛ و سابعا التحسيس، وخاصة في الدورات والأنشطة الثقافية على مستوى المحكمة، بأهمية تفعيل بدائل الاعتقال الممكنة بالنسبة لقضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق وقضاة الحكم؛ وثامنا العمل على تكوين خلايا موضوعاتية، في حدود ما تسمح به الموارد البشرية المتوفرة، لتصفية قضايا المعتقلين الاحتياطيين تتألف على صعيد محاكم الاستئناف من الرئيس الأول أو نائبه ومن الوكيل العام للملك أو نائبه، ورئيس غرفة الجنايات ورئيس غرفة الجنايات الاستئنافية ورئيس الغرفة الجنحية ورئيس غرفة الجنح المستأنفة وقاضي التحقيق، وعلى صعيد المحاكم الابتدائية من رئيس المحكمة أو نائبه ووكيل الملك أو نائبه، وقاضي التحقيق والقاضي أو القضاة المكلفين بجلسات المعتقلين. تجتمع بشكل منتظم لتذليل كل الصعوبات.

وشدد المتحدث نفسه، على ضرورة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتصفية قضايا المعتقلين ولاسيما عن طريق: أ‌-التنسيق مع الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك حول تنفيذ النيابة العامة لكل الإجراءات القانونية بهدف تسريع البت، وخاصة تنفيذ الأوامر بالإحضار في إبانها ومكاتبة مدراء المؤسسات السجنية المختصين من أجل ألا تشمل حركة النقل داخل السجون  المعتقلين الاحتياطيين؛  ب‌-عقد جلسات كافية للبت في قضايا المعتقلين.

وفي إطار الاختصاصات التدبيرية الموكولة إلى المسؤولين القضائيين في مجال الإدارة القضائية، فقد سجل عبد النباوي، أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يبدي تفاعله الإيجابي والتلقائي، من أجل تسهيل تجهيز الملفات وتصفية القضايا باستعجال، وهو ما مكن من تجاوز معظم الإكراهات التي تحد من تدبير قضايا المعتقلين الاحتياطيين، خاصة عبر تفعيل هؤلاء المسؤولين للجن الثلاثية وعقد العديد من الاجتماعات الدورية سواء مع القضاة أو مع أطر وموظفي كتابة الضبط أو مع مساعدي القضاء، بالإضافة إلى اغتنام الجمعيات العمومية للمحاكم كمجال مناسب لتدارس الحلول الملائمة لكل الإشكالات والإكراهات التي من شأنها أن تعيق نجاعة العمل القضائي أو تؤثر في مستوى أداء القضاة.

وأبرز، من أجل تعزيز النتائج الإيجابية التي تحققت في السنوات الأخيرة على مستوى تقليص نسبة المعتقلين الاحتياطيين، فقد تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات على مستوى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، عبر عدة آليات، وفي إطار الاختصاصات المخولة دستورا وقانونا للمجلس ورئيسه المنتدب، سواء بصفته هاته أو بصفته رئيسا أولا لمحكمة النقض، وخاصة من خلال اجتماعات ودوريات وكتب ومذكرات، تم من خلالها حث الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف وكذا رؤساء المحاكم الابتدائية على التنسيق مع المسؤولين القضائيين بالنيابات العامة من أجل اتخاذ كافة التدابير اللازمة لتصريف قضايا المعتقلين الاحتياطيين في أحسن الظروف وبأقل تكلفة على الحقوق والحريات، ومن ضمنها ما يلي 1-توجيه دورية للمسؤولين القضائيين تحت عدد 1229/1 بتاريخ 14 يونيو 2018 لحثهم على الحرص على ضمان استمرار عقد الجلسات المتعلقة بقضايا المعتقلين خلال فترة العطل السنوية، مع الحرص على تعجيل البت فيها؛ 2-توجيه كتاب للمسؤولين القضائيين عدد 2646/1 بتاريخ 27/11/2018 حول تسريع البت في قضايا المعتقلين الاحتياطيين؛ 3-توجيه دورية تحت عدد 6/1 بتاريخ 17 يونيو 2019 في موضوع تدبير جلسات المعتقلين الاحتياطيين وإيلاء قضاياهم ما تستحقه من عناية؛ 4-توجيه دورية تحت عدد 15/1 بتاريخ 10 شتنبر 2019 في موضوع الزيادة في عدد الجلسات لتدبير قضايا المعتقلين الاحتياطيين؛ 5-توجيه مذكرة للمسؤولين القضائيين تحت عدد 19/1بتاريخ 29/11/2019 بشأن مضاعفة الجهود لتقليص أمد البت في قضايا المعتقلين الاحتياطيين، وإيلاء هذه القضايا الأولوية اللازمة مع استحضار واجب الانخراط بكل مسؤولية في صون حقوق وحريات الأفراد وضمان أمنهم القضائي؛ 6-الحرص الدائم على مستوى محكمة النقض على تجويد العمل القضائي وإرساء مبدأ تحقيق العدالة والتحلي بالنجاعة المطلوبة والتقليص من أمد البت وخاصة في قضايا المعتقلين، وذلك من خلال اجتماعات ومذكرات إرشادية موجهة للغرف المختصة في الموضوع؛

وأشار ذات المتحدث أن سنة 2020 والسنة الحالية قد عرفتـا ازديادا في نسبة المعتقلين الاحتياطيين بسبب ظروف الوباء، والتي أدت إلى توقف الجلسات خلال فترة الحجر الصحي، وتقليصها فيما بعد، واقتصارها في بعض الفترات على القضايا التي يقبل الأطراف أن تجري المحاكمة بشأنها عن بعد، فإنه بفضل الجهود التي بذلها القضاة والجهات المعنية الأخرى، تمكن نظام العدالة ببلادنا من تلافي أزمة حقيقية، حيث أسهمت جهود المحاكم في انتظام عقد جلسات المعتقلين ولو عن بعد، وجهود القضاة في دراسة الملفات والإفراج عن الكثير من المعتقلين عن طريق السراح المؤقت في التحكم في نسبة السجناء بما يتلاءم مع الظروف الصعبة التي فرضتها الجائحة.

واختتم عبد النباوي كلمته، ألقاها بالنيابة عنه السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتطوان مصطفى لغزال، أنه على الرغم من الارتفاع الطفيف في عدد المعتقلين الاحتياطيين، خاصة خلال سنة 2020 التي تبقى سنة استثنائية اعتبارا لتفشي جائحة كورونا -كوفيد 19 خلالها، وكذا الجهود المتواصلة لتخفيض نسبة الاعتقال الاحتياطي إلى الحدود المعقولة، فإن عدة إكراهات لا زالت تحول دون النزول إلى المعدلات والنسب المئوية للاعتقال المعتمدة دوليا، وهي إكراهات خارجة عن اختصاص القضاء، ولا يد له فيها، تؤثر في الحد من المجهودات المبذولة لترشيد الاعتقال الاحتياطي، ولا بأس أن نذكر منها ما يلي المفهوم الواسع للمعتقل الاحتياطي مقارنة مع باقي القوانين المقارنة؛ 2 تزايد الظاهرة الإجرامية بشكل ملحوظ مع ما صاحبه من تزايد في عدد قضايا المعتقلين؛ 3تأخر سن خيارات تشريعية جديدة أو بديلة لعدد من الإجراءات والاختصاصات بما يتلاءم مع صيانة الحقوق والحريات.

آخر الأخبار