جريمة مؤنثة.. ضحية طمع أستاذة

الكاتب : الجريدة24

06 يوليو 2024 - 09:45
الخط :

رضا حمدالله

في ذاك الصباح توجهت لأقرب دائرة أمنية للتبليغ عن محاولة انتحار زوجها الستيني. كانت مرتبكة في سردها تفاصيل العثور عليه مضرجا في دمائه بمطبخ منزلهما في الطابق الثاني من عمارة بحي راق. في حكيها اكتشف الضابط متناقضات. وبين كل سؤال وجواب، زادت حيرته وشكوكه حول إن كان لأستاذة مادة الفرنسية في ثانوية في ضاحية المدينة، علاقة بما وقع لزوجها الذي كان ما يزال حيا بالمستشفى.

- لماذا نقلته للمستشفى قبل المعاينة، ولماذا لم تخبر الأمن بذلك؟

- أيعقل أن تختار واحدة زوجها بين الحياة والموت، التبليغ بنفسها؟

- كيف دخلت المطبخ، وهي تقول أن بابه مقفل من الداخل؟

بعض من أسئلة بحث الضابط عن جواب مقنع في استنطاقه الزوجة التي لم يظهر على محياها حزن. كانت عادية في لباسها وكلامها وحركتها. لم تدرف دمعة ولا حتى تنهدت لحال زوج في قسم الإنعاش. كل هذا مثير للشك، لذلك كان لا بد من تقييد حريتها في انتظار ظهور الحقيقة.

في المنزل لم يكن بباب المطبخ أثر كسر، فكيف فتح؟. سؤال وجدت له مخرجا بوجود منفذ إليه من جهة غرفة النوم، تسللت منه بعد تأخر عودته لفراشهما. هكذا زعمت مبررة وجود بقع دم بالقفل والحائط والشرفة، بمسكها جسده لإنقاذه. لكن لماذا غسلت بقع الدم من الأرض؟. سؤال آخر حاصرها به الضابط. وكما في كل مرة تجد جوابا ولو لم يقنعه دون أن يتسرع باتهامها. زملاؤه في الشرطة العلمية، كانوا منكبين في جمع الأدلة.

- زوجي طالما اشتكى من سلوك أصهاره أقارب زوجته الأولى المتوفاة. حرموه من الإرث. وطالما هدد بالانتحار. كنت أحرص على إغلاق كل الأبواب والنوافذ كي لا ينفذ وعده.

عبارات أفادت بها الضابط، وهو يستمع إليه تمهيديا، ونفاها أقارب الزوج، مشككين في روايتها. لم يكن الزوج على خلاف مع أصهاره، وكان مواظبا على صلة الرحم بهم منذ وفاة ابنتهم وبعد زواجه من الأستاذة. كان حريصا ألا يقطع حبل المحبة معهم لأنه لم يعامل بسوء منهم.

كان الزوج المتقاعد صاحب ثروة ولا حاجة له بإرث قد يجعله يفكر في الانتحار. حالته الاجتماعية كانت مستقرة ولم يكن يعاني من أي أعراض للمرض النفسي، فشخصيته أقوى من الحديد لا تهتز لمشاكل أيا كانت. ورواية انتحاره لم تقنع الضابط ولا مسؤول الشرطة القضائية، ولو جعلتها الزوجة ذريعة وأنكرت علاقتها بإصابة زوجها. البحث ما زال متواصلا ولم يغلق بعد، والزوجة ما زالت رهن الحراسة النظرية ومشتبه فيها.

من حقها أن تنكر في غياب الدليل المادي وشهادة الضحية الذي لم يكن مسموحا بأخذ أقواله لحالته الصحية، رغم زيارة الضابط للمستشفى في مناسبات.  كان يحمل جرحا غائرا في العنق وآخر في يده، فهل يعقل أن يصيب مقبل على الانتحار، نفسه بسكين في موضعين مختلفين؟. سؤال آخر محير ومثير للشك. كان مغمى عليه لا يستفيق إلا ثوان ليعاوده الإغماء. حالته الصحية تدعو للقلق، لقد نزف دما كثيرا قبل نقله إلى قسم المستعجلات وفي ظروف لاصحية.

مرت 11 يوما وهو على تلك الحالة، قبل أن توافيه المنية. فترة طال فيها انتظار الأدلة المادية وانكشاف الحقيقة. الزوجة تنكر والأدلة ضدها غير مثبتة وعائلة الهالك تنفي مرضه النفسي ووجود مشاكل مع أصهاره وفرضية الانتحار لا تصدق. الأمر محير للجميع، فأي هذه الروايات ستصدق؟. لكن نتائج التشريح الطبي ستقلب البحث رأسا على عقب. بجمجمة الضحية كسر لا يمكن أن ينتج حتى عن سقوط عرضي محتمل في حال إيذائه نفسه. حقيقة تجعل الزوجة في موقع متهمة.

هذه الحقيقة وتحاليل بقع الدم المرفوعة من أماكن مختلفة بالمطبخ، لم تترك للزوجة إمكانية للهروب إلى الأمام. أدركت أن الإنكار لن ينفعها في شيء. واعترفت تلقائيا بتسببها في إصابة زوجها الذي لم ترتبط به إلا قبل شهور معدودة، دون أن تكون لها نية لقتله بعد خلافهما لرفضه إهداءها شقة فاخرة يملكها.

في ذاك الصباح جددت طلبها وأحيى رفضه، وتلاسنا وتبادلا السب وعيرته ومسته في شرفه وكرامته، وهو بجانبها لما كانت منكبة على إعداد فطورهما. ولما هم بصفعها، تراجعت إلى الوراء وأمسكت عصا تستعملها في ترويض العجين، هوت بها على رأسه بصربة واحدة كانت كافية ليسقط أرضا بشكل استغلته بمواصلة ضربه بعد استعانتها بسكين أصابته به في عنقه ويده لما حاول التصدي لضربة ثالثة.

وهو ينزف ممرغا في دمه وفي لحظة احتضار، جلست أمامه تفكر مليا في طريقة لإبداع مخرج لورطتها. واهتدت لرواية انتحاره، وأقفلت باب المطبخ من الداخل، وغادرته من باب تفضي لغرفة النوم حيث قضت مدة قبل ابتداع عثورها المفاجئ عليه والاستعانة بالجيران لإخراجه ونقله على متن سيارتها للمستشفى. بعدها عادت أدراجها وتوجهت لأقرب دائرة أمنية للتبليغ عن انتحاره.

اعترفت الزوجة بضربها زوجها الرافض إهداءها الشقة قبل اقتسام أملاكه بين الورثة ومنهم أبناؤه الأربعة وبناته الثلاث المستقلين عنه بعد زواجهم. طمعت كثيرا وخسرت كل شيء، سمعتها وقيمتها المجتمعية ووظيفتها وحريتها بعد إدانتها بعقد من الزوجة، عقوبة سالبة لحريتها، بعد حلقات محاكمة طالت.

آخر الأخبار