جريمة مؤنثة... قتلت ابنيها من أبوين مجهولين

جريمة مؤنثة... قتلت ابنيها من أبوين مجهولين

الكاتب : الجريدة24

18 مارس 2023 - 09:30
الخط :
جريمة مؤنثة... قتلت ابنيها من أبوين مجهولين

رضا حمد الله

جريمة مؤنثة... قتلت ابنيها من أبوين مجهولين

لم تكن على قدر من الجمال يغري شابا من أبناء دوارها للزواج بها. ولم تكن محظوظة بشكل تفتح في وجهها أبواب العمل. ظروفها الاجتماعية تيار جارف لحلمها. عاشت البؤس والفقر والجهل والمعاناة منذ توفي والداها المسنين نتيجة مرضهما. بقيت وحيدة في عالم لا يرحم، فريسة لذئاب نهشت لحمها وحولت الذي ما بين فخذيها مفرغا لسوائلهم المنوية دون أن يحميها أحد حتى من عائلتها تركتها عرضة للضياع.

لم تعرف المدرسة إلا بناية تمر بجانبها في طريقها للحقل أو السوق. وليست الوحيدة، فنسبة كبيرة من بنات القرية من جيلها، لم تلجن المدرسة. العادات والتقاليد قتلت طموحهن. مكان المرأة باعتقاد الأهالي، في المنزل تكنس وتعد الطعام وتجلب الماء من منابعه وتشقى في الحقول. أما الدراسة والوظيفة فللرجال فقط. لذلك لم يكن ممكنا دخولها المدرسة التي بناها سكان القرية تطوعا وجهزتها الوزارة بالمعدات اللوجستيكية والبشرية.

لم تكسب إلا من عرق جبينها. تقضي النهار كله في العمل في الحقول الفلاحية كلما أتيحت لها فرصة. ولا تتوانى في مساعدة كل أسرة طلبت ذلك، ولو بدون مقابل وأحيانا بقطعة خبز وكمية زيت أو تين ووجبة عدس وقطاني. تساعد نساء في جلب الحطب وتنقية القمح وأي خدمة تحتج مساعدة فيها. كانت تعطي أكثر مما تأخذ. ورغم ذلك فصبرها من صبر أيوب. تتحمل كل الأعباء والمشاكل من أجل أن تعيش.

عاشت عقدين في كوخ لا يحجب عنها البرد والحر وأشعة الشمس والمطر، وحتى أطماع شباب لم يرحمها ولا راعى ظروفها بعدما تقاعس الجميع ولم يتحملوا مسؤولية حمايتها. لم يكن ولوجه صعبا على كل غريب. سور بعلو لا يتجاوز المتر وباب خشبية متآكلة ومشقوقة. كل ليلة يتسلل إليها شاب وأحيانا يجتمع إثنان أو أكثر تحركت غريزتهم وقصدوها لإشباعها.

لم تكن الفتاة قادرة على الرفض ولا التصدي والجهر بمعاناتها وما تتعرض إليه. حتى أنها تآلفت وتعودت على الاغتصابات اليوم ليس فقط للشباب. حتى الكبار والأزواج طمعوا في حميمية جسدها وافترسوه في مرات. كل نساء الدوار تعرفن أنها أصبحت في متناول الجميع، في غياب من يحميها منهم. لا أحد من ناس القرية، قال: اللهم إن هذا منكر. أو تدخل لحمايتها من هذه الذئاب البشرية. كلهم يطنبون في الحديث عن الحرام في مجامعهم، وجميعهم غارقون فيه على الأقل باستباحة جسدها.

هذه الظروف ورغم قبولها بهذا الوضع، فإنها تأثرت كثيرا نفسيا لدرجة معاناتها من اضطرابات عصبية. ورغم ذلك لم يرحموها. مرضها النفسي لم يشفع لها. فهي للجميع في الفراش، ولا أحد ممن يشاركها إياها، يساعدها على الأقل في توفير طعامها وكسوتها. ذاك أبشع استغلال تعرضت إليه منذ توفي والديها وابتعد عنها أقاربها خاصة بعدما شاعت أخبار تحويل كوخها وكرا يرتاده كل من تتحرك نزوته الجنسية دون الشعور بالذنب وتأنيب الضمير. كل ضمائرهم ماتت.

توالت السنين والغزوات الجنسية لجسدها، وحملت سفاحا. لم يكن بإمكانها إجهاضه. لا تعرف طريقا سالكا لذلك وإمكانياتها لا تسمح. احتفظت به في أحشائها ووضعته في ليلة ماطرة قبل 4 سنوات. ابن لا تعرف أباه ولا طريقا إليه. عبثا حاولت بعض النساء، إسقاط شبهه على شاب ثلاثيني من زبنائها. بميلاده زادت المعاناة. الألسن لا ترحم شرفها وسمعتها، والعيون كذلك تسخر من حالها ومآلها. الإنفاق زاد وهي العاجزة عن إطعام نفسها، فكيف لها إطعام رضيع يحتاج حليبا جف من ثديها.

بعض نساء الدوار ساعدنها بما تبقى من لباس صغارهن رأفة به. لا ذنب له فيما ارتكبه أبوه المجهول وأمه المريضة. خرج للوجود وتاه مع أمه في مصير لا تدرك خاتمه. ولم يكن الضحية الأولى، فقد وضعت اختا له قبل سنتين. هي الآن أم عازبة لصغيرين لا تعرف والداهما، فمن أي لها بمأكلهم ومشربهم وكسوتهم؟. حتى عملها في الحقول، لم يعد ممكنا، الجميع يتحاشى تشغيلها. وظروفها زادت تأزما منذ بداية انتشار فيروس كورونا المستجد.

أيام عصيبة قضتها في الحجر، حتى أنها وابناها لو يذوقوا أكلا طيلة 3 أيام. هي صابرة، عكس ابنها وابنتها لا قدرة لهما على الصبر والتحمل. لا يعرفان معنى لذلك ولا إن كان باستطاعة الأم إطعامهما، فيما الناس منشغلون بهمومهم غافلين عن معاناتها. بعضهم استمر في نهش لحمها رغم الفضيحة، لكنهم تقاعسوا في تقديم المساعدة اللازمة المألوفة لدى أهالي القرى الأخرى.

في تلك الليلة أزعجها بكاء صغيرتها. لم تأكل أمعاؤها فارغة. والأم انهارت أمام هذا الوضع، فلا حيلة لها غير الاستسلام فيما يدور في خلدها. وقد نفذت ذلك وعن سبق إصرار. وضعت يدها اليمنى على عنق الطفلة وخنقتها إلى أن أصبحت جثة هامدة أمام عينيها. خنقتها وانتقلت لتستكمل الجريمة بأخيها ذبحته من الوريد بمنجل. لم تكترث لصراخهما وهما يلفظان أنفاسهما. ولا بكت حسرة عليهما. جلست قربها طويلا قبل أن تنام. كانت تعتقد أنها تخلصت من جرح يؤرقها.

نامت الليلة وكأن شيئا لم يقع، وفي الصباح تركت الجثتين في المنزل وتوجهت راجلة إلى مقر القيادة البعيد. سلمت نفسها وأبلغ عن جريمة ارتكبتها في حق فلذتي كبدها. كثير ممن وجد بمقر القيادة، لم يصدقها، لكنهم أخذوا بلاغا محمل جد. أخبر القائد عناصر الدرك وتوجهوا للقرية واقتحموا الكوخ. كان الضحيتان جنبا إلى جنب وسط بركة من الدم. الطفل مذبوح من الوريد وخدوش في عنق أخته الأصغر.

عاينت عناصر الدرك الجثتين وصورتها وأنجزت محضرا بذلك قبل نقلهما لمستودع الأموات لتشريحها. أما الأم فاقتيدت لمقر السرية، تاركة الكوخ وأشخاصا استباحوا جسدها وتملصوا من مسؤولياتهم لما حملت مرتين. أحيل الأم على الوكيل العام وأودعت السجن وأحيلت على قضاء التحقيق. وبعد الانتهاء من التحقيق التفصيلي أحيلت على غرفة الجنايات التي قبلت ملتمس دفاعها المعين في إطار المساعدة القضائية. لقد أخضعت لخبرة طبية أثبت أنها تعاني من اضطرابات ولم تكن في حالة طبيعية وقت ارتكاب الجريمة، وبالتالي فمسؤوليتها منعدمة. المحكمة قضت إثر هذه الخبرة، بإيداع الأم مستشفى الأمراض للعلاج وأعفتها من المسؤولية الجنائية.

آخر الأخبار