أسر سوسية: القاصدي...باني الدعامات الأولى لاقتصاد سوس الحديث

أسر سوسية: القاصدي...باني الدعامات الأولى لاقتصاد سوس الحديث

الكاتب : الجريدة24

12 أبريل 2025 - 06:00
الخط :

أسر سوسية: القاصدي...باني الدعامات الأولى لاقتصاد سوس الحديث

أمينة المستاري

برزت مجموعة من الأسر السوسية في الجانب العلمي والتحديث التكنلوجي ، بعدما تحدى أفرادها واقعها المرتبط إما بالقيود القبلية المنغلقة على ذاتها، رافضة التحديث أو الانفتاح على المحيط الجديد الذي خلقه الاستعمار، كما رفضت هذه الأسر الانفتاح على التعلم والتمدرس خوفا على ابنائها من المستعمر الذي كان يرسل الشباب المتمدرس إلى الجيش.

الحاج القاصدي، هو محمد أحمد أوبيهي ولد سنة 1929، وعرف بين أصدقائه ب"القاصدي" لأنه كان يحكي القصص، وينشد القصائد لهم، فأطلقوا عليه القاصدي، وأعجب بهذا اللقب، فاتخذه كنية لأسرته.

وضع القاصدي أول لبنة للاقتصاد بسوس، بل كان من أوائل الأسر التي كسرت هذه القيود، انتفض على العادات المنغلقة على الذات، وخرج من جلباب أبيه، ليستنشق هواء الانطلاقة الجديدة للمجتمع، تمدرس ، وتعلم وارتقى إلى أن أصبح معلما، ثم ما لبث أن غير الاتجاه ليصبح موظفا ببنك.

لم يكن القاصدي، موظفا فحسب بل انخرط في العمل الوطني في عز شباب، انخرط في حزب الاستقلال، وكان يقوم بتوزيع المناشير وإيصال الرسائل، واعتقل وتعرض للتعذيب من طرف المحتل الفرنسي سنة 1952، وقضى سنة ونصف رهن الاعتقال، بعدها نفي إلى إفران الأطلس الصغير فقضى به ستة شهور، ليعود إلى أكادير حيث قضى مرحلة فراغ وعزلة اجتماعية، لأنه ظل تحت رقابة قوات الاستعمار المستعدة لاتهام كل من خالطه بالعمل الوطني.

بعد فترة سيغير القاصدي الاتجاه، فأصبح موظفا في شركة "بريل" لتوزيع البنزين، وتمكن خلال فترة عمله بها من ادخار مبلغ مالي، سيمكنه من وضع رجله في عالم " البيزنيس"، ليخطو أولى خطواته في عالم الاقتصاد.

تمكن هذا السوسي المنفتح، من إرساء أولى لبنات الاقتصاد السوسي، وخلخلة المنظومة التجارية بسهل سايس، التي برع فيها الفاسيون، كان الرجل المؤسس الأول لغرفة التجارة والصناعة بشكل شخصي قبل أن تصبح مؤسسة بهذا الشكل القانوني للغرف المهنية التابعة للدولة.

كان والد القاصدي، تاجرا معروفا بأكادير أوفلا يعقد شراكات بسيطة في تجارته "السمك، الأجبان..." يرفض تعليم أبنائه، ويحذرهم من التعلم، ومن المدرسة وكل ما يأتي منها، لا سيما تلك التي يدرس بها الفرنسيون والأجانب، يخاف هذا التاجر البسيط، أن يتعرض أبناؤه "للتنصير". غير أن القاصدي منذ صغره، كان يرى عكس توجهات والده، فقام سرا بتسجيل نفسه في المدرسة، وحين علم الوالد أحمد أوبيه بأن ابنه محمد ضمن قائمة التلاميذ لأول موسم دراسي بأول مدرسة أحدثت بأكادير، أصيب بنوبة غضب حادة، وضرب محمد ضربا مبرحا، محذرا إياه بأن يعدل عن مدرسة الأجانب التي لم يأتي منها إلا الشر.

رغم حصة التعذيب التي تلقاها القاصدي من أبيه، ظل عازما على شق طريقه رافضا "العيش في جلباب أوبيهي"، فكان يقطن بأكادير أوفلا ويضطر لقطع المسافة بينها وبين تالبرجت يوميا مشيا على الأقدام، لمدة 3 سنوات، متحملا غضب الوالد إلى أن حصل على الشهادة الابتدائية، ثم درس بمعهدين فرنسيين بالمراسلة، بعدها دخل المدرسة البحرية وكان الأول من دفعته.

مع مرور الوقت وتقبل السوسيين لمسألة تعليم أبنائهم، أقنع محمد القاصدي أباه بضرورة تعليم إخوته وخصوصا أخواته، وبشق الأنفس، قبل الحاج أوبيهي ما كان من أشد معارضيه، لكن بشرط صارم، وهو أن يتكفل القاصدي بأخواته ماديا، وأن يراقب حركاتهن ويرعاهن.

لم يكن أشقاء الحاج القاصدي أقل اهتماما بالعلم، فقد تمكن شقيقه الحبيب من الحصول على الإجازة في الحقوق، وأثبتت أخواته جدارتهن ونبوغهن، ففاطنة حصلت على إجازة في الحقوق، واعتبرت أول فتاة تحصل علي الإجازة، وتمكنت من أن تصبح فيما بعد مستشارة للوزير الأول محمد كريم العمراني، أما عائشة فقد تمكنت من أن تصبح أول مديرة لمدرسة خديجة أم المؤمنين بأكادير حتى أطلق عليها اسم "مدرسة القاصدي"، فيما حصلت كلثوم على إجازة في الإنجليزية بالدار البيضاء لتكون الأولى على الصعيد الوطني، في وقت كان تدريس الفتيات أمرا غير مقبول.

أنشأ القاصدي مقاولة في الصباغة مع شريك له يسمى عبد الله أولحسن، وتركه ليديرها، وانتقل رفقة أسرته إلى مراكش ليعمل في شركة البنزين "بريل"، بعد فقدانه لأمه في الزلزال الستيني الذي ضرب قصبة أكادير أوفلا، مخلف آلاما وحسرة في نفسه، وعاد بعد فترة إلى أكادير حاملا معه مدخرات مكنته من أن يصبح المزود الرئيسي الجنوب بالبنزين مستفيدا من التجربة التي خاضها بمراكش.

يحكي البشير أحشموض الذي عايش الحاج القاصدي، أن هذا الأخير تمكن من تأسيس "مجموعة الستة" واضعا اللبنة الأولى للاقتصاد بسوس، بشراكة مع " الحسين أشنكلي، الحاج ابراهيم بنصالح، الحاج عبد الله الذهبي، الحاج علي بونيت، والحاج الحسين تدرارين " وقد أصبحت المجموعة من قياديي المشاريع الاقتصادية بسوس، ولا يمكن تفتيت هذه البنية الاقتصادية الحديثة بالحديث عن واحد منهم بمعزل عن الآخر.

يحكي أحشموض، واحد من رجالات سوس الذين عايشوا هؤلاء الستة وتتبعوا تحركات الاقتصاد بسوس وتطوره، أن أعضاء المجموعة أصبحوا مؤسسين لنظام بنكي جديد، تمدد إلى حدود الرباط والدار البيضاء، فأصبحت مجموعة الستة مساهمة في مغربة البنك الهولندي، إلى جانب بنك BMAO ، وقد تتبعنا خلال السلسلات السابقة كيف أن الأسر السوسية بدأت بمشاريع بسيطة تخص بيع البيض والصوف ودكاكين الغاز باعتماد على الاسر والمقربين من القبيلة غير أن مجموعة الستة ظهرت أكثر عصرنة وحداثة.

استثمرت "مجموعة 6"، كما يروي البشير، في المجالات الاقتصادية الكبرى كالمطاحن الكبرى لأنزى شمال اكادير، معمل افيرو مروك، معمل امادير، معمل سوكوبروم للمنتوجات البحرية...، وقاموا بتأسيس أول شركة صيد في اعالي البحار سنة 1973 مع اليابانيين والدولة المغربية (الشركة العامة المغربية للصيد).

يؤكد البشير أحشموض، قيدوم أعضاء غرفة التجارة والصناعة، النائب الأول حاليا لرئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة سوس ماسة، وأحد أطر مجموعة القاصدي، أن زعيم مجموعة الستة قام مباشرة بعد زلزال مدينة اكادير سنة 1960بتسيير مجموعة من الأنشطة الاقتصادية كالمحروقات وغيرها، وأن الحاج القاصدي يعتبر أحد مؤسسي غرفة التجارة والصناعة لاكادير وطرفاية سنة 1963 واسندت له رئاسة الغرفة من 1963 إلى 1972.

وأضاف احشموض أن المجموعة قامت بالمساهمة في مغربة بنك الهولندي، وتأسيس شركة تيكنو بناء وشركة طريق النمو، وبناء أول فندق بأكادير بعد الزلزال، وفندق كمال الذي يختصر اسمي محمد القاصدي والحسين اشنكلي.

في سنة 1974 التحق بمجموعة الستة مولاي العربي الشتوكي والحاج محمد بلحبيب البعمراني واشتروا مجموعة مطاحن باروك ( مطاحن أنزا، مطاحن الرباط، مطاحن سلا، مطاحن مراكش وفروعها بكل من الدار البيضاء ومكناس. وأصبح القاصدي رئيسا لجمعية أرباب المطاحن، كما كان وراء بناء المعهد المتخصص للتكوين في صناعة المطاحن. هكذا نلاحظ أن اقتصاد سواسة تمدد وتعصرن ليبسط جناحيه بالدار البيضاء وصولا إلى مدينة مكناس واحدة من قلاع الفاسيين.

القاصدي كان مولعا بكرة القدم، وهو من المؤسسين الأوائل لفريق الحسنية تيمنا باسم ولي العهد مولاي الحسن، وقد لعب في صفوفه، ثم أصبح رئيسا للفريق. أما على المستوى السياسي انتخب الحاج القاصدي برلمانيا سنة 1970 .

توفي القاصدي بالرباط سنة 2010 بعد مسيرة عمر حافلة بالعطاء، تمكن خلالها من إرساء اقتصاد سوس على سكة عصرية عالمية، كما ساهم في الاقتصادي الوطني، مات تاركا وراءه خلفا من الرجال والنساء مثقفين، وحاصلين على شهادات في الاقتصاد.

آخر الأخبار