جريمة مؤنثة... خادمة قتلت مشغلها للاستيلاء على ثروته

جريمة مؤنثة... خادمة قتلت مشغلها للاستيلاء على ثروته
رضا حمد الله
كانت على قدر كبير من الجمال. كل شباب قريتها تمنوها زوجة. لكن حظها كان أتعس من وضعها الاجتماعي. تعيش في أسرة فقيرة من 9 أفراد غالبيتهم بنات. يعيلهم أب يبحث في حقول جبلية وعرة الولوج، عن مدخول يطعمهم به. لم تكن له حيلة للكسب غير منتوج شجيرات من اللوز والزيتون وزراعة معاشية للقطاني يتدبر من بيعها ما ينفقه في السوق القروي مرة أو اثنين. طموحه كبير، لكن يده قصيرة التي هاجرت صغيرة وشبت من دار لدار خادمة بتعويض هزيل يستولي عليه الأب كل شهر، كما ذاك لأختيها.
في 12 سنة عايشت عدة أسر وتعايشت مع مزاج كل فرد منها. صبرت على الإهانة وسوء المعاملة والتعذيب النفسي والجسدي، كي لا يغضب أب استثمر فيها وأختيها. لم تكن تبوح بسرها ومعاناتها في كل زيارة شهرية يطل فيها عليها لأخذ المال لا الاطمئنان عليها. كان يزورها كما لو كانت سجينة في زنزانة، لا يسمح لها بالزيارة إلا مرة في الشهر. وضع اعتادت عليه كما تعودها على خيبات الأمل المتتالية منذ نما جسدها وخطبت لابن القرية رفضته لأنها لا تطيق العودة للبادية، لقد ألفت العيش في المدينة ولو كان عيشها مرا.
كانت محظوظة هذه المرة، حين قبلها الحاج الرجل الثري، خادمة في فيلاه الشاسعة. شقيقه من اقترحها عليه لتقوم بأعمال المنزل، بعد وفاة زوجته المسنة. الأخ كان معجبا بحذاقتها وخجلها وحسن تعاملها. لذلك رأى أنها الأنسب لشقيقه في هذه الظروف. لقد أصبح وحيدا بعد وفاة زوجته، لم يكن له منها ولد ولا بنت. لقد جعل من الخادمة ابنته لما لمسه فيها من حسن خلق، قبل أن تتطور الأمور إلى ما هو أعمق بعدما تحركت مشاعرهما دون استئذان مسبق.
وضع الحاج ثقة كبيرة في خادمته، وائتمنها على فيلاه وأصبحت الآمرة الناهية فيها، كل شيء بأمرها واستشارتها. مفاتيحها في يدها وهي سائقته الخاصة وكاتمة أسراره والمؤتمنة على ثروته وأوراقه الشخصية. كلفها بجمع مدخوله من كراء المنازل والمحلات التجارية المتوارثة حتى حلي المرحومة أهداه إياها تتزين به. كانت في مقام زوجته المرحومة، أمنها على ثروته كما فعل مع الأولى.
كان الحاج لا يغادر الفيلا إلا برفقتها، وأعطت هي مثالا للصدق والوفاء والإخلاص والأمانة. خصال حببتها إليه ولكل أفراد العائلة الذين لم يعارضوا طلبه الارتباط بها لعقد نكاح. فهي الأنسب له لتكملة ما تبقى من عمره والحفاظ على ثروته الأحق بائتمانها عليها. ظلت على هذه الحالة سنتين زوجة مطيعة ومكلفة بأعمال الحاج. كانت مرتاحة في هذا الوضع ولو أن راحتها في الفراش، لم تكن بما تأمله.
تدهورت الحالة الصحية للحاج وأصبحت الخادمة الزوجة تخرج وحيدة للتبضع ومباشرة الإجراءات وجمع ثمن كراء ما يملكه من عقارات. وبالصدفة تعرفت على شاب وسيم في نفس سنها تقريبا. ساعدها في خدمة وتبادلا أرقام هواتفهما وتكررت اتصالاتهما ولقاءاتهما، ودب الحب في شرايينهما معلنة تمرد زوجة على طاعة زوجها الكهل، دون اعتبار لانتشاله إياها من الفقر وما قدمه له ولعائلتها من مساعدات أغدق عليهم بها.
ربطت علاقة غرامية مع الشاب دون أن تعرف عنه غير وسامته، ومنه غير بطالته وحاجته لعمل. لم تعرف شيئا عن أهله وحياته، وشغلته سائقها الخاص. وارتمت في حضنه ووهبته قلبها حبا في غفلة من الحاج والعائلة. كان مرافقها في كل خطوة تعقب مغادرتها الفيلا، وطالما غامرت بمشاركته الفراش في غرفتها بها وأحيانا يقضيان الليل في حانات وملاهي، في مغامرات طائشة لم يحسبا عواقبها بعدما انجرفا وراء عواطفهما وشهوتهما. لقد ارتمت في أحضانه وتعرت مما عرف عليها من حسن خلق واحترام.
تعلقها بالشاب الجذاب زاد مع مرور الوقت. وللحفاظ عليه أبدت استعدادها للمغامرة، أوهمته أن ثروة الحاج ثروتها وأنه وهبها لها، فزادت أطماعه. لم تكن تعلم أنه من ذوي السوابق. دخل السجن مرتين قضا به في مجموعهما 3 سنوات بعد تورطه في قصيتي مسك مخدرات والاتجار فيها والضرب والجرح بالسلاح. حقيقة غابت عنها وهي ترتمي في أحضانه بكل جوارحها وتثق فيه ثقة عمياء. لم تكن تدري أنه يخطط للاستيلاء على ثورة الحاج سيما بعدما أطلعته عليها. حينها زاد طمعه واستعجل أمره للتخلص من الحاج والاستفراد بها في انتظار موعد التخلص منها بدورها.
حاول العشيق في البداية استمالتها لصفه وحرضها على سرقة مال الحاج، لكن إخلاصها منعها. وبرفضها كل طلب واقتراح، كان يجتهد في إبداع طريقه قد تحفزها. اقترح عليها قتله لينفردا ببعضهما ويعيشا حياتهما بطولها وعرضها. لم تقبل، لكن ضغطه المستمر وإغراءاته وتظاهره بهجرانها وهي المتعلقة به عاطفيا، جعلها تقبل بمغامرة جديدة بعدما غامرت كثيرا في قضاء ليالي دافئة معه في الفيلا في غفلة من الحاج خاصة لما زاد مرضه.
قبلت بقتل الحاج الذي أغدق عليه بماله وثقته، ورسمت مع العشيق خارطة التخلص منه. اتفقا على تسخيره أصدقائه في هذه العملية، وتظاهرهم بمهاجمتها دون إيذاء. ووعدها بإقامة مشروع مشترك والعيش تحت سقف واحد بداعي أنه الأجد. بها لا شيخا هرما في عمر جدها.
نحو الثانية صباح ذاك اليوم من يوليوز، ولج العشيق وصديقه الفيلا بعد تسلقهما أسوارها. كانا يخفيان وجهيهما بجوارب وتسللا لغرفة نومها باحثين عن كل ما خف وزنه وغلا ثمنه. كان العشيق يعرف أين توجد الحلي والمال والشيكات البنكية، فقد دلته العشيقة عليها. وبعد أن جمعا ما في الدولاب تظاهرت بالاستيقاظ مذعورة. صرخت لكنه أمسك بها ووضع يده على فمها، مهددا بقتلها بسكين وضعه في عنقها. صراخها أيقظ الحاج الذي حاول النهوض دون جدوى، لم تعد له قوة للمقاومة، فقد خنق الثاني إنفاسه إلى أن تيقن من وفاته.
غادرا الفيلا من نفس الطريق التي دخلاها منها، وبقيت جالسة قرب الحاج تبكي. واتصلت بالشرطة مبلغة عن قتل مجهولين زوجها وسرقة حليها ومال كثير. دون خوف أو ارتباك حكت للمحققين تفاصيل اعتدائهما عليها وقتلهما الحاج. سلاسة سردها لم تثر الشك. لكن دقة البحث سيكشف ما لم تكشفه بعدما تظاهرت بالحزن على فراق زوجها الحاج. لاحظت عناصر الشرطة غياب أي كسر للأبواب. لا يعقل أن يدخل لصوص محلا مغلقا دون كسر أو اتفاق مع من فيه. الأبواب الداخلية وتلك لغرفتها والحاج، عادية لم تكسر، وليس على جسدها أي اثر عنف. حقا ق جعلتها موضوع شبهة.
مرت 3 أسابيع على بداية البحث وأفرج عن الزوجة بعد استكمال الإجراءات. وتناهى لعلم الشرطة وجود مسروقات نفيسة معروضة للبيع في سوق منها كاميرا وجهاز رقمي وحلي، وبمراجعة المحاضر المنجزة اتضح أن مثيلات لها اختفت من فيلا المرحوم. بسرعة تنقلت عناصر الشرطة السوق وحجزت تلك الأشياء، واعتقلت المتحوز بها. وأثناء الاستماع إليه أقر بشرائها من شخص دلهم على اسمه. كان يعرفه ويتعامل معه من حين لآخر.
أقر التاجر بذلك ونفى علمه بكونها مسروقة واستدعيت الزوجة وتعرفت على المسروق. واعتقل العشيق واعترف بتفاصيل سرقة فيلا الحاج وقتله، ووجهت الزوجة باعترافه، فانهارت وسقطت ونقات للمستشفى وبتماثلها للشغاء، اعترفت بالمنسوب إليها وتفاصيل اتفاقهما مع العشيق على التخلص من الحاج ليخلو لهما الجو ليعيشا معا. وأحيل الجميع على النيابة العامة وحوكموا وحكم على عشيقها وشريكه بالسجن مدى الحياة، وحكم عليها ب25 سنة سجنا نافذة لم تكملها بعدما تدهورت حالتها الصحية وتوفيت في السجن.